شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ١٦٠
بأن طبيعته غير طبيعة النار قال ثم عورضت أي الشبه المذكورة بوجوه الأول أن الجسمية وهي أمر واحد تقتضي أثرين هما التحيز أي الحصول في حيز ما وقبول الإعراض أي الاتصاف بها فإن نوقش في استنادهما إلى مجرد الجسمية وجعل للحيز والإعراض مدخل في ذلك بنقل الكلام إلى قابلية الجسم للتحيز وقابليته للاتصاف بالإعراض فإنهما يستندان إلى الجسمية لا محالة وإن نوقش في وحدة الجسمية بأن لها وجود أو ماهية وإمكانا وجنسا وفصلا وغير ذلك قلنا هي بجميع ما فيها ولها شيء واحد يستند إليه كل من الأمرين ولا معنى لاستناد الكثير إلى الواحد سوى هذا وأجيب بأنا لا نم إن التحيز وقبول الإعراض أو القابلية لهما من الأمور الوجودية التي تقتضي مؤثرا إما تحقيقا فظاهر وإما إلزاما فلأن الفلاسفة وإن قالوا بوجود النسب والإضافات لم يعمموا ذلك بحيث يتناول قابلية التحيز مثلا ولو سلم فلا نم استناد كل من الأمرين إلى الواحد المحض بل أحدهما باعتبار الصورة والإبعاد والآخر باعتبار المادة الوجه الثاني إن كل ما يصدر عن العلة فله ماهية ووجود ضرورة كونه أمرا موجودا وكل منهما معلول فيكون الصادر عن كل علة حتى الواحد المحض متعددا وأجيب بأنا لا نم كون الوجود مع الماهية متعددا بحسب الخارج لما سبق من أن زيادته على الماهية إنما هي بحسب الذهن فقط ولو سلم فلا نسلم أن كلا منهما معلول بل المعلول هو الوجود أو اتصاف الماهية به لأن هذا هو الحاصل من الفاعل الوجه الثالث أن النقطة التي هي مركز الدائرة مبدأ محاذياته للنقط المفروضة على المحيط وأجيب بأن المحاذاة أمر اعتباري لا تحقق له في الخارج فلا يكون معلولا لشيء ولو سلم فمحاذاة النقطتين إضافة قائمة بهما أو لكل منهما إضافة قائمة بها فلا يكون فاعلا للمحاذيات على ما هو المتنازع ولو سلم فاختلاف الحيثية ظاهر لا مدفع له الوجه الرابع أنه لو لم يصدر عن الواحد إلا الواحد لما صدر عن المعلول الأول إلا واحد هو الثاني وعنه واحد هو الثالث وهلم جرا فتكون الموجودات سلسلة واحدة ويلزم في كل موجودين فرضا أن يكون أحدهما علة للآخر والآخر معلولا له بوسط أو بغير وسط وهذا ظاهر البطلان أو أجيب بأن ذلك إنما يلزم لو لم يكن في المعلول الأول مع وحدته بالذات كثرة بحسب الجهات والاعتبارات ولو لم يصدر عن الواجب مع المعلول الأول أو يتوسطه شيء آخر وهكذا إلى ما لا يحصى بيانه على ما ذكروه أنه إذا صدر عن المبدأ الأول الذي ليس فيه تكثر جهات واعتبارات شيء كان ذلك الشيء واحدا بالحقيقة والذات لكن يعقل له بحسب الاعتبارات المختلفة أمور ستة هي الوجود والهوية والإمكان والوجوب بالغير وتعقل ذاته وتعقل مبدأه فيجوز أن يصدر عنه بحسب تلك الاعتبارات أمور متكثرة ويظهر ابتداء سلاسل متعددة وكذا يجوز أن يصدر عن ذلك الشيء الواحد الذي هو المعلول الأول معلول ثان وعن المبدأ
(١٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 ... » »»