شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ١٥٦
وإن لم تتوقف على شيء منهما لم يكن شيء منهما علة وهذا بخلاف الواحد بالنوع فإنه لا يمتنع اجتماع العلتين عليه بمعنى أن يقع بعض أفراده بهذه وبعضها بتلك فيكون المحتاج إلى كل منهما أمرا مغايرا للمحتاج إلى الأخرى وحينئذ لا يلزم احتياج شيء إلى شيء واستغناؤه عنه بعينه ولا يلزم من احتياج النوع إلى كل من العلتين عدم استقلالهما بالعلية للفرد وذلك كجزئيات الحرارة التي يقع بعضها بهذه النار وبعضها بتلك فنوع الحرارة يكون معلولا لهذه النيران وقد تمثل بنوع الحرارة الواقع بعض جزئياتها بالنار وبعضها بالشمس وبعضها بالحركة والمناقشة في كون هذه الحرارات من نوع واحد تدفع بأن المراد بالنوع ما هو أعم من الحقيقي وأورد الإمام أن المعلول النوعي أن احتاج لذاته إلى العلة المعينة امتنع استناده إلى غيرها وهو ظاهر وإن لم يحتج كان غنيا عنها لذاته فلا يعرض له الاحتياج إليها فأجاب بأنه لا يلزم من عدم الاحتياج لذاته إلى العلة المعينة استغناؤه عن العلة مطلقا بل يجوز أن يحتاج لذاته إلى علة ما ويكون الاستناد إلى العلة المعينة لا من جهة المعلول بل من جهة إن تلك العلة المعينة تقتضي ذلك المعلول فالحاجة المطلقة من جانب المعلول وتعين العلة من جانب العلة والحاصل أن الماهية النوعية بالنظر إلى ذاتها ليست محتاجة إلى العلة المعينة ولا غنية عنها بل كل من ذلك بالعارض واعترض صاحب المواقف بأن فيما ذكر من احتياج المعلول إلى علة ما بجيث يكون التعين من جانب العلة التزام أن يحتاج المعلول المعين إلى علة لا بعينها فيجوز أن يكون الواحد بالشخص معلولا لعلتين من غير احتياج إلى كل منهما ليلزم المحال بل إلى مفهوم أحدهما لا بعينه الذي لا ينافي الاجتماع كما هو شأن المعلول النوعي والجواب أن مفهوم أحدهما وإن لم يناف الاجتماع لكن لا يستلزمه فيمتنع فيما إذا كان المعلول شخصيا لأن وقوعه بهذه يستلزم الاستغناء عن تلك والمستغنى عنه لا يكون علة ويجوز فيما إذا كان نوعا لأن الواقع بكل منهما فرد آخر فلا يكون شيء منهما في معرض الاستغناء ولهذا قال فالفرد بعينه يحتاج إلى علة بعينها بمعنى أن الفرد المعين من الحرارة مثلا يحتاج إلى علته المعينة التي أوجبتها ضرورة احتياج المعلول إلى علته وفرد ما أي الفرد لا بعينه يحتاج إلى علة لا بعينها بل بحيث يحتمل أن يكون هذه وتلك لكن يمتنع اجتماعهما عليه لما سبق وهذا ما يقال أن الواحد بالشخص يجوز أن تكون له علتان على سبيل البدل دون الاجتماع والنوع يحتاج إلى علة لا بعينها لكن لا يمتنع الاجتماع بالنظر إلى النوع لأن الواقع بكل منهما فرد مغاير للواقع بالأخرى وبهذا يندفع ما يقال أن القول بالاحتياج إلى علة ما إما أن يكون قولا بتعدد العلة أولا وأيا ما كان فلا فرق بين النوع والفرد بقي ههنا بحث وهوا أن الواحد بعينه وإن كان من حيث وقوعه بالعلة المعينة محتاجا إليها لكن هل يصح استناده إلى علة لا بعينها بأن يقع بكل منهما على سبيل البدل بأن يكون الواقع بهذه هو بعينه الواقع بتلك مثلا حركة هذا الحجر في مسافة معينة في زمان معين إذا وقعت بتحريك زيد فلو فرضناها واقعة بتحريك
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»