شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ١٥٨
المعلولات بل لا تناهبها فيما إذا صدر عن الواجب شيء فإن المصدرية حينئذ بعد ما تكون خارجة لا يجوز أن تكون معلولا لأمر آخر بل تكون معلولا للواجب صادرا عنه فتتحقق مصدرية أخرى بالنسبة إليه ويتسلسل (6) وإنه لو صح هذا الدليل لزم أن لا يصدر عن الواحد المحض شيء أصلا وإلا لكانت هناك مصدرية داخلة فيتركب أو خارجة فيتسلسل وأن لا يسلب عنه أشياء كثيرة كسلب الحجر والشجر عن الإنسان وأن لا يتصف بأشياء كثيرة كاتصاف زيد بالقيام والقعود وأن لا يقبل أشياء كثيرة كقبول الجسم للحركة والسواد لأن مفهوم سلب هذا مغاير لمفهوم سلب ذاك وكذا الاتصاف والقابلية فيلزم إما التركب أو التسلسل وقد يجاب عن هذه الاعتراضات كلها بأن سلب الشيء عن الشيء واتصاف الشيء بالشيء وقابلية الشيء للشيء من الاعتبارات العقلية التي لا تحقق لها ولا تمايز بينها في الأعيان ولو سلم فهي لا تلحق الواحد من حيث هو واحد بل تستدعي كثرة تلحقها هي باعتبارات مختلفة فإن السلب يفتقر إلى مسلوب ومسلوب عنه يتقدمانه ولا يكفي ثبوت المسلوب عنه فقط وكذا الاتصاف يفتقر إلى موصوف وصفة والقابلية إلى قابل ومقبول أو إلى قابل وشئ يوجد المقبول فيه بخلاف الصدور فإنه كما يطلق على الأمر الإضافي الذي يعرض للعلة والمعلول من حيث يعتبر العقل نسبة أحدهما إلى الآخر وليس كلامنا فيه كذلك يطلق على معنى حقيقي هو كون العلة بحيث يصدر عنها المعلول وكلامنا فيه ويكفي في تحققه فرض شيء واحد هو العلة وإلا امتنع استناد جميع المعلولات إلى مبدأ واحد ولما كان الظاهر من كون الشيء بحيث يصدر عنه شيء أيضا أمرا إضافيا اعتباريا زعموا أن المراد به خصوصية بالقياس إلى الأثر بحسبها يجب الأثر وإنه وجودي بالضرورة فإنا إذا أصدرنا حركات متعددة فما لم يحصل لنا خصوصية بالقياس إلى كل حركة وأقلها إرادتها لم يصدر عنا تلك الحركة وهكذا سائر العلل الفاعلية لا يصدر عنها الأشياء الكثيرة إلا إذا كان لها مع كل منها خصوصية لا تكون مع الآخر وإذا صدر الشيء الواحد لم يلزم تعدد الخصوصية بل لم يجز وحينئذ إن كانت العلة علة لذاتها فتلك الخصوصية ذات العلة وإن كانت علة لا لذاتها بل بحسب حالة أخرى فتلك الخصوصية حالة تعرض لذات العلة فلزوم تعدد الجهات وتكثر المعلولات إنما يكون عند صدور الكثير وإما عند صدور الواحد فلا يكون إلا ذات العلة أو حالة لها وعلى هذا لا يرد عليه شيء من الاعتراضات لكن لا يخفى أن أكثر هذه المقدمات تحكمات لا يعضدها شبهة فضلا عن حجة وقد يبين المطلوب بوجه لا يرد عليه الاعتراضات يدعى أنه زيادة تنبيه وتوضيح وإلا فامتناع صدور الكثير عن الواحد الحقيقي واضح
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»