شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ١٥٢
الوجود أعني حمل الاشتقاق لما ذكر في أساس المنطق من أن امتناع المتقابلين في موضوع واحد يعتبر في تقابل الإيجاب والسلب بحسب الصدق عليه وفي البواقي بحسب الوجود فيه كالأبيض الحلو فإن فيه البياض واللابياض لأن اللابياض مقول على الحلاوة الموجودة فيه والمقول على الموجود في الموضوع موجود في الموضوع ثم ما يمتنع اجتماعه بحسب الوجود يمتنع بحسب الصدق من غير عكس وما يجوز بحسب الصدق يجوز بحسب الوجود من غير عكس فظهر أنه لا دليل على نفي تقابل الإيجاب والسلب من الوحدة والكثرة بل تفسيرهم الكثرة بالانقسام مطلقا أو إلى المتشابهات والوحدة بعدمه ظاهر في ثبوت ذلك وأما اتفاقهم على نفي التقابل بينهما فمعناه أن الكثرة أي العدد لما كانت متقومة بالآحاد ومتحصلة من انضمامها مجتمعة مع الواحد في المعدود لم يكن بين العدد والواحد تقابل أصلا وهذا ظاهر فيما هو جزء الكثرة وأما الوحدة التي ترد على الكثرة فتبطلها كما إذا جعلت مياه الكيزان في كوز واحد فقد يوهم تضادهما بناء على تواردهما على موضوع واحد هو ذلك الماء مع بطلان أحدهما بالآخر ونفاه الإمام بأنهما ليسا على غاية الخلاف وبأن موضوع كل من الوحدات الزائلة التي هي نفس الكثرة جزء موضوع الوحدة الطارية لا نفسه والكل ضعيف قال المنهج الخامس في العلية والمعلولية من لواحق الوجود والماهية العلية والمعلولية وهما من الاعتبارات العقلية التي لا تحقق لها في الأعيان وإلا لزم التسلسل على ما مر غير مرة بل هما من المعقولات الثانية وبينهما تقابل التضايف إذ العلة لا تكون علة إلا بالنسبة إلى المعلول وبالعكس فلا يجتمعان في شيء واحد إلا باعتبارين كالعلة المتوسطة التي هي علة لمعلولها معلولة لعلتها قال المبحث الأول قد يراد بالعلة ما يحتاج إليه الشيء وبالمعلول ما يحتاج إلى الشيء وإن كانت العلة عند إطلاقها منصرفة إلى الفاعل وهو ما يصدر عنه الشيء بالاستقلال أو بانضمام الغير إليه ثم علة الشيء أعني ما يحتاج هو إليه إما أن تكون داخلة فيه أو خارجة عنه فإن كانت داخلة فوجوب الشيء معها إما بالفعل وهي العلة الصورية وإما بالقوة وهي العلة المادية وإن كانت خارجة عن الشيء فإما أن يكون الشيء بها وهي العلة الفاعلية أو لأجلها وهي العلة الغائية ويخص الأوليان أعني المادية والصورية باسم علة الماهية لأن الشيء يفتقر إليهما في ماهيته كما في وجوده ولذا لا يعقل إلا بهما أو بما ينتزع عنهما كالجنس والفصل ويخص الأخريان أعني الفاعلية والغائية باسم علة الوجود لأن الشيء يفتقر إليهما في الوجود فقط ولذا يعقل بدونهما وتمام هذا الكلام ببيان أمور (1) أن ما ذكر في بيان الحصر وجه ضبط لأنه لا دليل على انحصار الخارج فيما به الشيء وما لأجله الشيء سوى الاستقراء (2) أن المراد بالصورية والمادية الصورة والمادة وما ينسب إليهما من الأجزاء لصدق التعريف عليها وكذا في الفاعلية والغائية وبهذا الاعتبار
(١٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 ... » »»