الصحبة والصحابة - حسن بن فرحان المالكي - الصفحة ٤٢
كذي الخويصرة، فلذلك لما انهزموا لم يخبر الله بالعفو عن الجميع، وإنما قال: (ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء)، كما في قوله تعالى: (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين، ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ﴿٩٩) وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم﴾ (100).
أقول: ومن هذه الآية نعلم سر تعليق العفو بالمشيئة، بخلاف الآيات في حق المسلمين المنهزمين يوم أحد إذ كانت جازمة بالعفو عنهم.
وهذا يتفق أيضا مع قول الله عز وجل يوم تبوك (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة..)، مع أن جيش المسلمين كان فيه غير هؤلاء كثير من الطلقاء والأعراب والعتقاء ونحوهم، ممن لم يخبرنا الله بالتوبة عليهم، كما لم يخبرنا بالسخط عليهم، فيتوقف فيهم، إلا من أظهر منهم الصلاح والصدق وحسن الإسلام، فيحب ويوالي لهذا، ومن ساءت سيرته وكثر ظلمه

(٩٩) لا يدخل الطلقاء والشكاكون والمتنطعون في مسمى (المؤمنين) هنا مثلما لا يدخل الأعراب في مسمى (الإيمان) وقد كانوا هم والطلقاء في جيش النبي (ص) يومئذ وكان فيهم ذو الخويصرة وأمثاله وكان فيهم من خرج مع النبي (ص) ولا زالت الأزلام معه كما ورد ذلك في روايات أهل السير، ثم لو شمل هذا المسمى أولئك فهو من باب التغليب وهناك نظائر كثيرة لهذا في القرآن الكريم ففد يطلق (يا أيها الذين آمنوا...) ويدخل المنافقون تحت هذا وإن لم يدخلوا عند التحقيق بأدلة أخرى تخرجهم من اسم الإيمان.
(١٠٠) التوبة: ٢٥ - 27.
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»
الفهرست