يكون مبنيا على تفهم ميولهم وكلامهم ومقالاتهم، وعلى محاكمة آرائهم بصورة مقبولة، ليتأتى له الطعن، كما أنه لا بد أن يكون قد طالع كتب الفلسفة التي بدئ بترجمتها ونقلها في أول الدولة العباسية، وخلط مناهجها بأبحاثه التي تناولها، شأنه في هذا شأن أكثر متكلمي الإسلام ولا سيما المعتزلة سواء بسواء. ومن الطبيعي أن يستفيد كما استفاد سواه، وأن يقتبس كما اقتبس غيره. لكن الشئ البارز في متكلمي ذلك العهد أن هذا الذي اقتبسوه من الآراء الفلسفية لم يطح بعنصرهم الإسلامي ولم تذب فيه شخصية تفكيرهم.
وكانت صلة هشام بالفلسفة وموقفه منها صلة مباشرة، كما نلحظه من بعض آرائه ومؤلفاته ومحاوراته، فهو وإن لم يكن فيلسوفا بالمعنى المألوف، لكنه لم يعدم الروح الفلسفي في مقالاته ومذاهبه، أنه يرد على مذاهب الفلاسفة وأصحاب الطبائع والثنوية وسواهم، كما يتبين ذلك من أسماء مؤلفاته، ويأخذ من مذاهب الفلاسفة ما يتفق مع عقيدته ومذهبه.
ونحن إذ نجد في تفكير هشام عناصر فلسفية كما سيأتي لا نكون مغالين إذا قلنا أن هشاما هو في رعيل أولئك الذين مهدوا الطريق للفلسفة الإسلامية، وفسحوا المجال أمامها لبداية عهد التطور وهي في بدء الدور الانتقالي إلى عهد فلسفي خالص.