ج - الذين قدر لنا الاجتماع بهم من الأعلام كانوا منقسمين على أنفسهم، فمنهم من استقبله برحابة صدر، ومنهم من لم نجد الترحيب الكافي لديه، وكمثل على ذلك قمنا بزيارة لمكتبة الأزهر، وكان في إدارة مدير المكتبة بعض العلماء من الأزهريين، فاستكثر أحدهم فتح باب الاجتهاد، وحمل على دعاته حملة فيها الشئ الكثير من العنف، وتجاوب معه جل الحاضرين.
فالتفت إلى مدير المكتبة وهو فضيلة الشيخ أبي الوفا المراغي، وقلت له:
كم يوجد في مكتبتكم هذه من الكتب؟
قال: مائة وعشرون ألفا.
قلت: وكم كان منها في عهد أبي حنيفة مثلا.
قال: القليل نسبيا.
قلت: ومفاهيم أبي حنيفة في المجالات التشريعية هل وصلت إلينا ضمن ما وصل من كتب التشريع أو لا؟ ثم المفاهيم التي جدت عليها من قبل تلامذته وغيرهم من أنداده من المجتهدين هل وصلت إلينا أيضا؟
قال: بلى.
قلت: أمن المنطق - فيما ترون - أن نقول لشخص يملك من مصادر التشريع أضعاف ما يملكه السابقون، ويملك كل ما يملكونه من تجارب، بالإضافة إلى ما جد عليها من تجارب العلماء في أكثر من عشرة قرون، إن هؤلاء من السابقين أعلم منك فلا يسوغ لك أن تفكر في مقابل ما يقولون - مع اتضاح جملة من المفارقات لديه - في نتائج ما انتهوا إليه، وكيف يكون السابق أعلم مع ضالة تجاربه بالنسبة إلى لاحقيه؟!
قال أحدهم: والقصور فينا ماذا نصنع به.