مناظرات في العقائد والأحكام - الشيخ عبد الله الحسن - ج ٢ - الصفحة ١٣٢
ولدها الحسين (عليه السلام)، وذكرت له سماعي الحديث (1) مرتين من علماء أبناء أهل السنة والجماعة مرة في بغداد قبل عشرين سنة، ومرة قبل ليالي قليلة في الحرم الشريف.
قال: نعم، إن هذا الحديث صحيح لا ننكره.
قلت له: من المسلم في التواريخ والأحاديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما رجع من أحد، ورأى أن لكل واحد من الشهداء نائحات وباكيات فأمر (صلى الله عليه وآله) نساء بني هاشم أن يجتمعن لحمزة سيد الشهداء (2) (عليه السلام).
قال: نعم صحيح، بل سمعت أن المتداول في المدينة المنورة إلى الآن في الرثاء والنياح على الأموات، أولا ينحن ويبكين على حمزة سيد الشهداء (عليه السلام) ثم ينحن ويبكين على موتاهن (3).

(١) وهو حديث جواز فاطمة (عليها السلام) في يوم المحشر، وعلى رأسها ثوب للحسين (عليه السلام) مخضب بالدم، وشفاعتها للباكين على ولدها الحسين (عليه السلام) وسوف يأتي مع مصادره.
(٢) روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما رجع من غزوة أحد بعد ما دفن القتلى مر بدور بني الأشهل وبني ظفر فسمع بكاء النوائح على قتلاهن، فترقرقت عيناه (صلى الله عليه وآله) وبكى، ثم قال: لكن حمزة لا بواكي له اليوم، فلما سمع (صلى الله عليه وآله) الواعية على حمزة وهو عند فاطمة (عليها السلام) على باب المسجد قال: ارجعن رحمكن الله، فقد آسيتن بأنفسكن.
وقيل: فرجع سعد بن معاذ وأسيد بن خضير إلى دار بني عبد الأشهل وأمرا نساءهم أن يتحزمن ثم يذهبن ويبكين على عم رسول الله (صلى الله عليه وآله). راجع: السيرة النبوية لابن هشام: ج ٣ ص ١٠٤ - ١٠٥، السيرة النبوية لابن كثير: ج ٣ ص ٩٥، إعلام الورى للطبرسي: ص ٩٤ - ٩٥، بحار الأنوار للمجلسي: ج ٢٠ ص ٩٨ - ٩٩، سيرة المصطفى لهاشم معروف: ص ٤٢٩.
(٣) وهذه السيرة الجارية عندهم بلا شك تعد امتثالا لأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتحقيقا لرغبته في البكاء على حمزة سيد الشهداء (عليه السلام) (ولكن حمزة لا بواكي له اليوم)، وتأسيا بنساء الأنصار إذ يبدئن بالبكاء على حمزة قبل البكاء على موتاهن - كما ورد في الأخبار والسير - فليس من الغريب أن تكون هذه العادة باقية إلى اليوم في المدينة المنورة منذ زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد جاء في ذخائر العقبى: ص 183 عن الواقدي: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما قال: إن حمزة لا بواكي له، لم تبك امرأة من الأنصار على ميت بعد قول النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك إلى اليوم إلا بدأت بالبكاء على حمزة، ثم بكت على ميتها، والذي يؤيد هذه السنة الحسنة أيضا ما جاء في وسائل الشيعة (ب 88 من أبواب الدفن ح 3) عن محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) قال: لما انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) من وقعة أحد إلى المدينة سمع من كل دار قتل من أهلها قتيل نوحا وبكاءا، ولم يسمع من دار حمزة عمه، فقال (صلى الله عليه وآله): لكن حمزة لا بواكي عليه، فألى أهل المدينة أن لا ينوحوا على ميت، ولا يبكون حتى يبدؤا بحمزة فينوحوا عليه ويبكوه، فهم إلى اليوم على ذلك.
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 137 138 ... » »»
الفهرست