الأحاديث قطعا، إذ بإمكانه - وهو الرأس الحاكم - أن يوعز إلى كبار الصحابة وحفاظ السنة منهم أن يجمعوا ما لديهم من الحديث سواء الذي كتبوه أو حفظوه سماعا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يوكل لهم فحص المجموع وتحري صدقه والتأكد من سلامته لو كان هناك حرص عليه، لا أن يجمع الأحاديث عن فرد واحد لم يسمه!
وأما ثانيا: إنه بالقياس إلى فترة إسلامه المبكر لا يحتاج إلى الواسطة في الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جمع خمسمائة حديث، إذ من غير المعقول أن لا تكون له مسموعات عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلا واسطة، ولو في ضمن المقدار الذي جمعه، وهذا يعني أنه أقدم على حرق بعض مسموعاته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولو تنزلنا عن ذلك وقلنا إن ما أحرقه لم يسمعه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم! فالسؤال هنا لماذا لم يجمع ما سمعه بإذنه عن صاحب الوحي صلى الله عليه وآله وسلم فهل كان شارد الذهن في العهد النبوي فلم يع ما يسمع! أم أنه خشي من تدوين السنة اطلاع الأجيال على ما منعه عمر؟!
وأما ثالثا: فإن أبا بكر صرح بلسانه بوثاقة من سمع تلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكيف شك به بعد أن ائتمنه؟ ولم لم يقم بواجبه فيعرضها على الصحابة للتأكد من صدق من ائتمنه فيمضها، أو يعرف كذبه فيؤدبه؟
ألا يدل هذا الإغماض عن تهاون في الشرع، ويكشف عن أسباب غير معلنة وراء حرق الأحاديث؟
على أن هذا الموقف العجيب بالنسبة إلى السنة المطهرة قد نبه من لا ينطق عن الهوى، على كونه وشيك الوقوع بعده كما تقدم في حديث الأريكة.