لهذا ولغيره لم تقتض حكمة الله تعالى أن يعين الإمام بالآية التي نوهتم بها، وإنما اقتضت الحكمة تعيينه بآيات لم تكن على الوجه الذي يحرج أولئك المعارضين.
وقد أمر الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يعهد بالإمامة إلى علي (عليه السلام) على وجه يراعي فيه الحكمة، ويتحرى به المطابقة لمقتضى تلك الأحوال.
فلم يأل سيد الأنبياء والحكماء في ذلك جهدا، ولم يدخر فيه وسعا، وقد استمر في بث هذه الروح القدسية بأساليبه الحكيمة العظيمة ثلاثا وعشرين سنة، منذ بعث بالحق إلى أن لحق بالرفيق الأعلى.
إذ كان يورد نصوصه في ذلك متوالية متواترة، من مبدأ أمره إلى انتهاء عمره، بطرق مختلفة في وضوح الدلالة على إمامة أخيه ووصيه، حسبما فرضته الحكمة عليه، ومن تتبع في ذلك سيرته أكبر حكمته (صلى الله عليه وآله وسلم) في أداء هذه المهمة..
صدع بها أول بعثته قبل ظهور دعوته بمكة، حين أنذر عشيرته الأقربين، على عهد بيضة البلد وشيخ الأباطح عمه أبي طالب، في داره، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم - وقد أخذ برقبة علي وهو أصغر القوم -: " إن هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا " (1).
ولم يزل بعدها يدلل على خلافته ووصايته، تارة بدلالة المطابقة، وأخرى بالالتزام البين بالمعنى الأخص.
مرة يكون التدليل بالنص الصريح الجلي الغني عن كل أمارة وقرينة.