بهذا خفض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من غلوائهم (1)، وزجر أحناء طيرهم (2)، ولو بادههم (3) بالأمر دفعة واحدة لما أمن من معرتهم (4)، فكأنه خدر بهذا الأسلوب أعصابهم، فتدرجوا معه بالقبول شيئا فشيئا، حتى كان يوم الغدير، فأعلن الأمر لتلك الجماهير، وما كان ليعلنه لولا أن الله أمره بذلك، وضمن له العصمة من أذاهم بقوله عز من قائل: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) * (5).
فجمع (صلى الله عليه وآله وسلم) بحكمته البالغة بين تعيين الإمام، وحفظ الأمن والنظام، وما كان المعارضون يحسبون أن يقف موقفه يوم الغدير أبدا.
فلما وقف هذا الموقف وأدى فيه عن الله ما أدى، رأوا أن معارضته - في آخر حياته وقد بخعت (6) العرب لطاعته - لا تجديهم نفعا، بل تجر عليهم الويلات، لأنها توجب إما سقوطهم بالخصوص، أو سقوط الإسلام والعرب عامة، فيفوتهم الغرض الذي كانوا يأملون، والمنصب الذي كانوا له