مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥١ - الصفحة ٤٣٧
يا هشام! إن المسيح (عليه السلام) قال للحواريين: " يا عبيد السوء! يهولكم طول النخلة، وتذكرون شوكها ومؤونة مراقيها، وتنسون طيب ثمرها ومرافقها، كذلك تذكرون مؤونة عمل الآخرة فيطول عليكم أمده، وتنسون ما تفضون إليه من نعيمها ونورها وثمرها (1).
يا عبيد السوء! نقوا القمح وطيبوه وأدقوا طحنه تجدوا طعمه ويهنئكم أكله، كذلك فأخلصوا الإيمان وأكملوه تجدوا حلاوته وينفعكم غبه (2).
بحق أقول لكم: لو وجدتم سراجا يتوقد بالقطران في ليلة مظلمة لاستضأتم به ولم يمنعكم منه ريح نتنه، كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممن وجدتموها معه ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها (3).
يا عبيد الدنيا! بحق أقول لكم: لا تدركون شرف الآخرة إلا بترك ما تحبون، فلا تنظروا بالتوبة غدا، فإن دون غد يوما وليلة وقضاء الله فيهما يغدو ويروح (4).

(١) " يهولكم " أي يفزعكم ويعظم عليكم.
" ومؤونة مراقيها " أي شدة الارتقاء عليها.
" ومرافقها " المنافع، وهي جمع مرفق - بالفتح -: ما انتفع به.
" أمده " الأمد: الغاية ومنتهى الشئ، يقال: طال عليهم الأمد، أي الأجل.
" ما تفضون إليه " يقال: أفضى إليه، أي وصل.
" ونورها " النور: الزهرة.
(٢) " ويهنئكم أكله " أي لا يعقب أكله مضرة.
" غبه " غب كل شئ: عاقبته.
(٣) " بالقطران " القطران - بفتح القاف وكسرها وسكون الطاء، وبفتح القاف وكسر الطاء -: دهن منتن يستجلب من شجر الأبهل فيهنأ به الإبل الجربي - وهو داء يحدث في الجلد بثورا صغارا لها حكة شديدة -، ويسرع فيه اشتعال النار.
" سوء رغبته " أي ترك عمله بتلك الحكمة.
(٤) " فلا تنظروا بالتوبة غدا " الإنظار: التأخير.
" والبطن وما وعى " أي ما جمعه من الطعام والشراب بأن لا يكونا من حرام.
" البلى " الاندراس والاضمحلال في القبر.
قال في النهاية 5 / 207: الاستحياء من الله حق الحياء: أن لا تنسوا المقابر والبلى، والجوف وما وعى: أي ما جمع من الطعام والشراب حتى يكونا من حلهما.
(٤٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 432 433 434 435 436 437 438 439 440 441 442 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة