مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥١ - الصفحة ٤٣٦
الدنيا، كما ولى منها، فاعتبر بها (1).
وقال علي بن الحسين (عليهما السلام): " إن جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الأرض ومغاربها، بحرها وبرها، وسهلها وجبلها، عند ولي من أولياء الله وأهل المعرفة بحق الله كفئ الظلال " (2).
ثم قال (عليه السلام): " أولا حر يدع هذه اللماظة لأهلها - يعني الدنيا -؟!
فليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها بغيرها، فإنه من رضي من الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس " (3).
يا هشام! إن كل الناس يبصر النجوم، ولكن لا يهتدي بها إلا من يعرف مجاريها ومنازلها، وكذلك أنتم تدرسون الحكمة، ولكن لا يهتدي بها منكم إلا من عمل بها (4).

(1) " أصلح أيامك... " طول الدهر في نفسه لا ينافي قصره بالنسبة إلى كل شخص، أي خذ موعظتك من الدهور الماضية، والأزمان الخالية، ويحتمل أن يكون عمر كل شخص باعتبارين.
(2) " كفئ الظلال " يحتمل أن يكون في الأشياء ذوات الأظلال، كالشجر والجدار ونحوهما، أو المراد التشبيه بالفئ الذي هو نوع من الظلال، فإن الفئ لحدوثه أشبه بالدنيا من سائر الظلال، أو لما فيه من الإشعار بالتفيؤ والتحول والانتقال أي الظلال المتفيأة المتحولة.
(3) " اللماظة " ما يبقى في الفم من الطعام، ومنه قول الشاعر يصف الدنيا: لماظة أيام كأحلام نائم.
لا يخفى حسن هذا التشبيه إذ كل ما يتيسر لك من الدنيا فهو لماظة من قد أكلها قبلك، وانتفع بها غيرك أكثر من انتفاعك، وترك فاسدها لك.
(4) " إن كل الناس يبصر بالنجوم... " لما كان من معظم الانتفاع بالنجوم معرفة الأوقات، وجهة الطريق في الأسفار وأمثالها، ولا تتم معرفة تلك الأمور إلا بكثرة تعاهد النجوم لتعرف مجاريها ومنازلها ومطالعها ومغاربها ومقدار سيرها، كذلك الحكمة لا ينتفع بها إلا بكثرة تعاهدها واستعمالها لتعرف فوائدها وآثارها.
(٤٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 431 432 433 434 435 436 437 438 439 440 441 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة