مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥١ - الصفحة ٤٢٦
بالمشقة، ونظر إلى الآخرة فعلم أنها لا تنال إلا بالمشقة، فطلب بالمشقة أبقاهما] (1).
يا هشام! إن العقلاء زهدوا في الدنيا، ورغبوا في الآخرة، لأنهم علموا أن الدنيا طالبة ومطلوبة، والآخرة طالبة ومطلوبة، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت، فيفسد عليه دنياه وآخرته (2).
يا هشام! من أراد الغنى بلا مال، وراحة القلب من الحسد، والسلامة في الدين، فليتضرع إلى الله عز وجل في مسألته بأن يكمل عقله، فمن عقل قنع بما يكفيه، ومن قنع بما يكفيه استغنى، ومن لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغنى أبدا.
يا هشام! إن الله جل وعز حكى عن قوم صالحين أنهم قالوا:
* (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) * (3) حين علموا أن القلوب تزيغ وتعود إلى عماها

(١) ما بين المعقوفتين أثبتناه من الكافي.
(٢) " إن الدنيا طالبة " طالبية الدنيا عبارة عن إيصالها الرزق المقدر إلى من هو فيها ليكونوا فيها إلى الأجل المقرر، ومطلوبيتها عبارة عن سعي أبنائها لها ليكونوا على أحسن أحوالها، وطالبية الآخرة عبارة عن بلوغ الأجل وحلول الموت لمن هو في الدنيا ليكونوا فيها، ومطلوبيتها عبارة عن سعي أبنائها لها ليكونوا على أحسن أحوالها.
ولا يخفى أن الدنيا طالبة بالمعنى المذكور، لأن الرزق فيها مقدر مضمون يصل إلى الإنسان لا محالة، طلبه أو لا * (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) * [سورة هود ١١: ٦].
وإن الآخرة طالبة أيضا، لأن الأجل مقدر كالرزق مكتوب * (قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا) * [سورة الأحزاب ٣٣: ١٦].
(٣) سورة آل عمران ٣: 8.
* (لا تزغ) * الزيع: الميل والعدول عن الحق.
(٤٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 421 422 423 424 425 426 427 428 429 430 431 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة