مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٣٥ - الصفحة ٩٩
ولو كان ما ذكره ابن باز حقا لما ساغ لابن عباس - رضوان الله عليه - ارتكاب الجمع - كما في حديث مسلم - معتذرا بمجرد وقوع مثل ذلك من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصدروه عنه من دون ابتلاء ابن عباس نفسه بمرض، بل كان يلزمه الاقتصار في موارد الجمع على مثل تلك الأعذار التي ذكرها ابن باز، فجميع ما ذكره مدفوع، وجملة ما تمحله ممنوع.
والحق أن في التفريق بين الصلاتين - مع قطع النظر عن أفضليته - ضرب من المشقة ليس في الجمع، فصح لذلك تعليل تشريع الجمع برفع الحرج، وانتفى تجشم تلك الأعذار والعلل والعليلة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
وبالجملة: فإن التعليل المحكي في الأحاديث يفيد عموم نفي الحرج من جهة التفريق دائما، فدفع الحرج إنما هو بعين تشريع الجمع مطلقا، لا بكونه في مقام عروض العذر والمشقة العارضة، فبطل ذلك تشبثه بتعليل ابن عباس - رضوان الله عليه -، بل دلالته على نفي العذر في غاية الظهور، إذ كيف يعقل أن يعدل ابن عباس - وهو حبر الأمة - عن ذكر العلة الموجبة للجمع إلى ذكر رفع الحرج عن الأمة؟!
ولنعم قول الإمام ابن المنذر: إنه لا معنى لحمل الأمر فيه على عذر من الأعذار، لأن ابن عباس قد أخبر بالعلة فيه وهو قوله: (أراد أن لا يحرج أمته) (61). انتهى.
السادس: أن الجمع مختص بمسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفضله.
وهو ظاهر الوهن، بين الفساد، إذ قد ورد في أكثر أحاديث الباب أنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما جمع بين الصلاتين لئلا تحرج أمته، فالعلة المطلقة لا تختص بمسجده عليه وآله الصلاة والسلام، وأي مشقة في التفريق

(61) معالم السنن 2 / 55 د ح 1167: الجوهر النقي - ضمن سنن البيهقي - 3 / 167 - 168.
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»
الفهرست