مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٣٥ - الصفحة ٩٧
أبي الشعثاء صريح في أن ابن عباس - رضوان الله عليه - قد شغل بالخطبة من بعد صلاة العصر إلى أن بدت النجوم، ثم جمع بين المغرب والعشاء، ومن المعلوم أنه لو كان جمع لأجل المرض لما أمكنه القيام بخطبته التي هي أطول من مجرد صلاة!
وتصديق أبي هريرة إنما هو بالإضافة إلى أصل تحقق الجمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة دون عذر من الأعذار، وهذا هو القدر المتيقن الذي يؤخذ من ظاهر الحديث، وما زاد عليه يحتاج إلى الدليل.
ولا دليل عليه، بل الدليل ناهض على خلافه.
وأما كون المشقة في المرض أشد منها في المطر، فهذا أيضا لا يقتضي تعين الحمل على عذر المرض - كما لا يخفى -.
ومما يفند هذا التأويل: ما ورد في بعض أحاديث الباب من أنه صلى الله عليه وآله وسلم جمع من غير خوف ولا سفر ولا مطر، وظاهر أن نفي كون الجمع لأجل هذه الأمور لا يدل بوجه على أن الجمع كان بعذر المرض ونحوه مما هو في معناة، إذ لا يلزم من نفي هذه إثبات غيرها كما تقرر في علم أصول الفقه.
كيف، وأن من عرف أساليب الخطابات يعلم أن ابن عباس - رضوان الله عليه - لم يكن في مقام نفي الأمور المذكورة فحسب، بل مراده أنه لم يقع الجمع لعذر من الأعذار، وإنما المذكورات من باب الفرض والمثال، كما كشف عنه بتعليله (أراد أن لا يحرج أمته) فذيل كلامه قرينة على المراد من صدره كما لا يخفى على من آتاه الله نصيبا من العلم ورزقه حظا من الفهم.
ولعل الاقتصار على ذكر هذه الثلاثة لكونها أمورا تعم بها البلوى، وأنها أدعى للجمع، وإلا فلا خصوصية لنفيها دون سائر الأعذار، والله أعلم.
الخامس: أن الجمع كان لمشقة عارضة ذلك اليوم، من مرض غالب أو برد شديد أو وحل ونحو ذلك، ويدل على ذلك قول ابن عباس - لما سئل عن
(٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 ... » »»
الفهرست