وباب تخصيص العلل 1 / 144، وهي بالقياس أشبه منها بالاستحسان، وذلك لأن خروج مثل (فتوى) و (غديان) و (ديما) و (استحوذ) و (أغيلت) وأمثالها عن أبوابها يعتبر شذوذا، وعدم اطراد للعلة القياسية في هذه المواضع، وهنا يأتي النزاع الذي أثاره الأصوليون وتبعهم فيه النحاة أنه: إذا اطردت العلة القياسية في أكثر أمثلة الباب، ودار الحكم معها حيث تدور، ولكنه تخلف في بعض الأمثلة، مع وجود العلة، فهل يعتبر هذا التخلف (نقضا) للعلة، بمعنى أنه يكشف أن ما افترضناه علة لم يكن في الواقع علة، فيبطل القياس؟ أو أن ذلك يعتبر (تخصيصا) لعموم العلة، ويبقى القياس جاريا في كل ما اطردت علته، عدا الأمثلة الشاذة؟
وكثير من الأصوليين والنحويين - ومنهم ابن جني - اختار القول بتخصيص العلة وعدم النقض، بمعنى أن يبقى القياس عاما جاريا في كل موضع وجدت فيه العلة، أما الشواذ التي كانت موارد لتخصيص العموم، فهي صحيحة أيضا - استنادا إلى نصوصها المسموعة - ولكنها تظل مقصورة على مواردها ولا يقاس عليها.
قال في باب تخصيص العلل: (اعلم أن محصول مذهب أصحابنا، ومتصرف أقوالهم مبني على جواز تخصيص العلل، وذلك أنها، وإن تقدمت علل الفقه، فإنها، أو أكثرها، إنما تجري مجرى التخفيف والفرق، ولو تكلف متكلف نقضها لكان ذلك ممكنا، وإن كان على غير قياس) (84).
وقال في باب الاطراد والشذوذ: (واعلم أن الشئ إذا اطرد في الاستعمال وشذ عن القياس، فلا بد من اتباع السمع الوارد به فيه نفسه لكنه لا يتخذ أصلا يقاس عليه غيره، ألا ترى أنك إذا سمعت (استحوذ) و (استصوب) أديتهما بحالهما ولم تتجاوز ما ورد به السمع فيهما إلى غيرهما، ألا تراك