مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٥ - الصفحة ١٣٣
ويبدو لي أنه لم يكن يقصد من ذكر (الاجماع) في الإنصاف، إلا معناه اللغوي (الاتفاق على الأمر) لا المعنى الاصطلاحي الذي يقصد منه أن الاجماع دليل مستقل عن النقل والقياس، وذلك:
1 - لأن هذه المسائل التي ذكر فيها الاجماع، كانت أدلتها - عند الطرفين - إما منصوص عليها، أو مقيسة، وذكر الاجماع فيها إنما هو من باب إلزام الخصم بأنه (متفق) مع خصمه على صحة النص، أو صحة القياس، وليس هذا من باب الاحتجاج بالإجماع، على أنه دليل مقابل للنص أو للقياس عليه.
2 - أن الأنباري لو كان يذهب إلى حجية الاجماع لذكره في موضعه الطبيعي، وهو كتاب (لمع الأدلة) مع أن هذا الكتاب وضعه - كما يقول في مقدمته - بعد وضع كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف (74).
3 - ولو سلمنا بأنه كان يعني هنا بالإجماع معناه المصطلح عليه، فإنه يكون من باب (الاجماع المنقول) وهو كخبر الواحد، لا بد من معرفة ناقله، وعدالته وتوثيقه، ومعرفة العصر الذي نقل الاجماع عنه، وعدم وجود المخالف فيه، وأمثال ذلك مما هو غير متوافر فيما حكاه الأنباري، والكتاب، بعد ذلك، كتاب في مسائل الخلاف، وما من مسألة فيه إلا كانت مسرحا لخلاف بين نحاة المصرين، أو بين نحاة كل مصر منهما أحيانا، فيكف نقطع بعدم وجود المخالف؟!
ج - الاجماع السكوتي:
والإجماع السكوتي ذكره السيوطي، على أساس أنه صورة من صور (إجماع العرب) وعرفه بما يلي: (أن يتكلم العربي بشئ، ويبلغهم - يعني العرب - ويسكتون عليه) (75).
ثم استشهد له باستدلال ابن مالك في التسهيل على جواز توسيط خبر (ما) الحجازية، ونصبه بقول الفرزدق:

(74) لمع الأدلة: 22.
(75) الاقتراح: 36.
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»
الفهرست