مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٥ - الصفحة ١٣٢
على المنصوص، وقد خالف إجماع النحويين على تغليط (هذا جحر ضب خرب) القياس الذي انعقد في نفس ابن جني، فلم يعد إجماعهم حجة عليه.
فأقول لك: أنا أفهم من اشتراط ابن جني ذلك، أنه قصد به إضعاف القول بحجية الاجماع، وذلك لأننا نفهم من حجية الاجماع أنه، بعد انعقاده، يكون حجة على المجتهدين الذين يستطيعون أن يقيسوا، لا على المقلدين أو المبتدئين في النحو، وإلا فإذا جاز لكل مجتهد فرقت له علة صحيحة أن يخالف إجماع المجمعين، فلا خصوصية حينئذ لقصر الحجية على (إجماع البلدين)، ذلك لأن إجماع أهل البصرة وحدهم حجة عليك إذا لم يخالف المنصوص ولا المقيس عليه، وإجماع أهل الكوفة، أو بغداد، أو الأندلس، أو مصر، كذلك حجة إذا لم يخالف المنصوص ولا المقيس على المنصوص، بل إن قول الكسائي وحده، أو سيبويه، أو المبرد، أو ابن جني حجة عليك إذا لم يخالف المنصوص والمقيس، فإذا انعقد في نفسك قياس على خلاف ما قاسوا، لم يعد قولهم حجة!!
فما معنى حصر الحجية إذن بإجماع البلدين وحده؟!
أما الذين تأخروا عن ابن جني من مؤلفي هذه الأصول، فإن السيوطي - كعادته - نقل قوله ولم يعقب (71).
وابن الأنباري، في لمع الأدلة، حصر أدلة النحو في ثلاثة: النقل، والقياس، واستصحاب الحال (72). وذكر الاستحسان وأدلة أخرى ولم يرتضها، ولم يذكر في كتابه الاجماع لا بنفي ولا إثبات، ولكنه في كتاب (الإنصاف) احتج كثيرا بالإجماع، أو بخلاف الاجماع، لآراء البصريين والكوفيين، أو للرد

(71) أنظر: الاقتراح: 35 - 36.
(72) لمع الأدلة: 27.
(73) أنظر: الإنصاف في مسائل الخلاف - تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد - 1 / 33، و 2 / 490 و 528 و 535 و 552 و 571 و 609 وغيرها.
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»
الفهرست