فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم - إذ هم قريش، وإذ ما مثلهم بشر وقد قرب استدلاله بالإجماع: (أن الفرزدق كان له أضداد من الحجازيين والتميميين، ومن مناهم أن يظفروا له بزلة، يشنعون بها عليه، مبادرين لتخطئته، ولو جرى شئ من ذلك لنقل، لتوفر الدواعي على التحدث بمثل ذلك، إذا اتفق ففي عدم نقل ذلك دليل على إجماع أضداده الحجازيين والتميميين على تصويب قوله) (76).
وهذا الحديث كله ضرب من الوهم، وذلك:
1 - لأنه يكاد يكون نقلا حرفيا من احتجاج بعض الأصوليين بالإجماع السكوتي، وقد كفانا الشافعي مؤنة الرد عليهم بقوله: (لا ينسب إلى ساكت قول) (77).
2 - أن مدعي هذا الاجماع بينه وبين الحادثة قرون وقرون، فمن أدراه بأن كل واحد من الحجازيين والتميميين بلغه قول الفرزدق؟ أو أن كل واحد لم يعترض عليه حين بلغه ذلك؟ على أن المسألة لا تتعلق بأضداده من الحجازيين والتميميين، فالمفروض أن الاجماع هنا صورة من صور إجماع العرب، لا إجماع أهل الحجاز، ولا بني تميم، فلا بد أن يبلغ العرب كلهم فيسكتوا، ثم إن مجرد عدم علم السيوطي - أو ابن مالك - بنقل اعتراضهم لا يكون له علما بعدم وقوعه، لأن (عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود).
3 - أن مدعي هذا الاجماع من الأصوليين، يشترطون أن يتوفر في سكوت الساكتين عنصر (الرضى) بالقول، حتى يتم الاجماع، فمن أدرانا - على فرض أنهم سمعوا وسكتوا على قول الفرزدق غير معترضين - أن سكوتهم كان عن (رضى) بقوله، ألا يحتمل أن كل قبيلة سمعته ظنت أنه يتكلم بلغة قبيلة أخرى، فلم تعترض عليه؟ ألا يحتمل أن من سمعه، ولم يعترض اعتبره خطأ من أخطاء