قد يقتضي في بعض الأحيان عسرا وحرجا، فيتركها المجتهد إلى العمل بعلة خفية ضعيفة (استحسانا) منه لها، لأنها توجب اليسر والسهولة على الناس.
وعلى هذا الأساس خص ابن جني هذا الاستحسان بباب في خصائصه، وعرفه بما يشبه تعريف أصحابه من الحنفية، فقال: (وجماعة أن علته ضعيفة غير مستحكمة، إلا أن فيه ضربا من الاتساع والتصرف) (81). ثم ضرب له أمثلة كثيرة منها:
قولهم: الفتوى، والبقوى والتقوى، على أساس أن القياس يقتضي أن تكون بالياء: الفتيا والبقيا... ولكنهم تركوا القياس هنا، للتفريق بين الاسم والصفة.
ثم رأى أن هذا (التفريق) علة خفية غير مطردة، لأننا نراهم لا يفرقون بينهما - الاسم والصفة - أحيانا، وضرب لذلك أمثلة منها: أنهم يجمعون (حسن) على (حسان) - وهي صفة - كما يجمعون (جبل) على (جبال) - وهي أسم - ولو كان التفريق بين الاسم والصفة واجبا، لاطرد في جميع الباب، كاطراد رفع الفاعل ونصف المفعول (82).
(ومن الاستحسان: رجل غديان وعشيان، وقياسه: غدوان وعشوان، لأنهما من: غدوت وعشوت... ومثله: دامت السماء تديم ديما، وهو من الواو...
ومن ذلك: استحوذ، وأغيلت المرأة، و (صددت فأطولت الصدود وقلما...) (83) إلى آخر ما ذكر من أمثلة بخروج بعض الكلمات العربية عن قياساتها.
وهناك ملاحظتان على هذا الاستحسان باعتباره واحدا من أدلة النحو:
1 - أن هذه الأمثلة التي ذكرها ابن جني هنا في باب الاستحسان، سبق له أن ذكرها في أبواب أخرى تعود للقياس، مثل باب الاطراد والشذوذ 1 / 96،