مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٣ - الصفحة ٧٠
نلاحظه حتى في الأحاديث النبوية الشريفة، فكيف في الروايات التي لا تملك تلك القداسة والحافز الديني التي يملكها الحديث النبوي كهذه الروايات - كما سيأتي البحث في هذا الأمر -، فلم تسجل أو تدون آراء أبي الأسود، أو آراء الطبقة الثانية التي من بعده، لعدم شيوع التدوين آنذاك، وللاعتماد على الذاكرة والحفظ في الصدور فحسب، والتي تكون عادة عرضة للنسيان والاهمال.
2 - بدائية آراء أبي الأسود:
وإضافة إلى تأخر التدوين " فإن مسائل النحو ليست مسائل ثابتة ولا تتغير، وإنما هي مسائل يأخذها الخلف عن السلف، يزيدون عليها ويفرعون فيها بحسب الضرورة الداعية والتلاميذ المتعلمين، وأظننا نشاهد ذلك بعد أن استقرت مسائل النحو وثبتت قواعده، ونشاهد تيسيرا وتعديلا لا يختلف حقيقة مع الأصل، ولكنه يتفق مع العقلية ومع الحاجة الداعية " (91).
فعدم ذكر رأي لأبي الأسود في كتاب سيبويه ليس لأجل عدم وجود رأي نحوي له، بل لبعد الزمن وعدم تسجيل آرائه كتابة، بينما ذكرت آراء عبد الله بن أبي إسحاق - مثلا - لأن الخليل كان قد تلقاها منه مباشرة ونقلها إلى تلميذه سيبويه، وكذلك لتطور الآراء النحوية بحيث لا تتلاءم بعقليتها ومنهجيتها وطبيعتها البدائية العامة مع كتابتها وعرضها في كتاب سيبويه - أو في غيره من الكتب النحوية - بعد أن طورها ووسعها تلامذة أبي الأسود ومن بعدهم وفرعوا فيها واعتمد على مناهج وأساليب وآراء تتلاءم وروح عصرها ووعيه بحيث وصلت لسيبويه بالصورة الثانية المتطورة وليست بالشكل الذي وضعه أبو الأسود.
وحتى آراء عبد الله بن أبي إسحاق النحوية - الذي يصفه النحاة والمؤرخون " بأنه أول من بعج النحو ومد القياس والعلل " (92) - لم تذكر ولم يألفها النحاة

(91) مدرسة البصرة النحوية، الدكتور عبد الرحمن السيد: 57.
(92) مراتب النحويين: 12.
(٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 ... » »»
الفهرست