الأنباري من طريق العتبي، قال: كتب معاوية إلى زياد، ويطلب عبيد الله، فلما قدم عليه كلمه، فوجده يلحن، فرده إلى أبيه، وكتب إليه كتابا يلومه فيه، ويقول:
أمثل عبيد الله يضيع؟! فبعث زياد إلى أبي الأسود، فقال: يا أبا الأسود، إن هذه الحمراء - وأراد بهم العجم لغلبة الحمرة على ألوانهم - قد أفسدت ألسن العرب، فلو وضعت شيئا يصلح به الناس كلامهم ويعرب به كتاب الله، فأبى ذلك أبو الأسود، فوجه زياد رجلا، فقال له: اقعد في طريق أبي الأسود فإذا مربك فاقرأ شيئا من القرآن وتعمد اللحن فيه، ففعل ذلك، فلما مر به أبو الأسود رفع صوته يقرأ (إن الله برئ من المشركين ورسوله) فاستعظم ذلك أبو الأسود فقال: عز وجه الله أن يتبرأ من رسوله، ثم رجع من فوره إلى زياد، فقال: قد جئتك إلى ما سألت، ورأيت أن أبدأ بإعراب القرآن، فابعث إلى ثلاثين رجلا، فأحضرهم زياد، فاختار أبو الأسود عشرة، ثم لم يزل يختارهم حتى اختار منهم رجلا من عبد القيس، فقال: خذ المصحف وصبغا يخالف لون المداد، فإذا فتحت شفتي فانقط واحدة فوق الحرف، وإذا ضممتهما فاجعل النقطة إلى جانب الحروف، فإذا كسرتهما فاجعل النقطة في أسفل الحرف، فإن اتبعت شيئا من هذه الحركات غنة فانقط نقطتين، فابتدأ بالمصحف حتى أتى على آخره، ثم وضع المختصر المنسوب إليه بعد ذلك " (107).
وهناك روايات وآراء أخرى تؤكد نسبة التنقيط لأبي الأسود، وإن كان هناك بعض الاختلاف الضئيل في متون هذه الروايات، ولكن لو تأملنا فيها لرأينا عدم تعارضها واختلافها، إذ يمكن الجمع بينها.
والملاحظ أن هذا العمل من أبي الأسود قد تم في زمان زياد ومعاوية - كما تؤكده الروايات - وأن أبا الأسود كان عالما به قبل هذا الزمان، وربما كان بتعليم وتوجيه من الإمام - عليه السلام - كما تحتمله عبارة السيرافي - وكما سنذكره بعد ذلك - ولكن بالرغم من علمه بذلك في زمان سابق فإن أبا الأسود كان