مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٣ - الصفحة ٦٠
من لم يتصف بالعدل والقصد، فما أمر رينان الفرنسي في القرن الماضي ببعيد، فقد ذهب إلى أن العرب أو قل: إن العقلية السامية لا ترقى إلى غيرها من العقليات كالإغريقية والرومانية، ومن أجل هذا كان هؤلاء عيالا على غيرهم من الشعوب في حضارتهم، وقد أسرف هذا الفرنسي المسيحي المتعصب لأكثر من غرض واحد، ولسنا بصدد بيان هذا، وقد ذهب غيره هذا المذهب دون أن يلتزم بعنفه وشدته، ولا أريد أن أدفع عن ثقافتنا تأثير الإغريق فما إلى ذلك قصدت وأنا إن فعلت ذلك فقد جرت على الحقيقة كما جار النفر الآخر " (68).
إن لهذه الحملة المسعورة على السامية - أسبابها وأهدافها وأساليبها - لسنا في مجال البحث عنها فللحديث عنها مجال آخر، ومن هنا ذهب هؤلاء إلى تأثر النحو العربي بالنحو اليوناني إما بصورة مباشرة أو بوساطة النحو السرياني، ولم يقولوا بتأثره بالنحو السرياني فحسب، لأن السريان ساميون أيضا، بينما اليونان غير ساميين، وهم لا يريدون الاعتراف بالساميين.
ولكن نقول: بأن النحو العربي لم يتأثر بالنحو اليوناني بصورة مباشرة لما ذكرناه، وكذلك لم يتأثر بالنحو السرياني كما سنبحثه، فينهار أساس التأثر بالنحو اليوناني.
وقد ذهب بعض المعاصرين إلى أن النحو العربي قد اكتسبه العرب من النحو السرياني المشابه في كثير من أصوله وأحكامه للنحو العربي، على اعتبار اشتراكهما في السامية، ولأن الاتصال بين العرب والسريان قد تم قبل الاتصال بين العرب واليونان، فلا بد أن يتعرف العرب على ثقافة السريان ومنها النحو، وذلك لأن النحو السرياني قد وضع قبل وضع النحو العربي كما يقول جرجي زيدان: " إن السريان دونوا نحوهم وألفوا فيه الكتب في أواسط القرن الخامس الميلادي، وأول من باشر ذلك منهم الأسقف يعقوب الرهاوي الملقب بمفسر

(68) دراسات في اللغة: 202.
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»
الفهرست