مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٣ - الصفحة ٦٤
غيره ممن عمل في وضع قواعد لغة العرب من بعده كان يعرف اليونانية، أو أنه اختلط بالسريان، أو عرف السريانية وأخذ النحو أو شيئا من هذه اللغة منها، ومؤرخو السير العرب لم يتركوا شيئا من تفاصيل حياة أبي الأسود إلا ذكروه، وكذلك الأمر بالنسبة لمن سواه، ولو أن أحدا منهم وقع له شئ من هذا القبيل لما فات واحدا على الأقل من مؤرخي تلك السير " (81).
فهم بالرغم من قرب عهدهم من أبي الأسود، وتتبعهم في مثل هذه القضايا، وأمانتهم ووثاقتهم في النقل، لم يتعرضوا من قريب ولا بعيد لتأثر أبي الأسود - أو غيره من واضعي النحو العربي - بالثقافات الأجنبية ثم يظهر بعد أجيال طويلة من يتبنى هذا الرأي، فهل عثر على شئ جديد كان قد خفي على علمائنا المعاصرين وغير المعاصرين لأبي الأسود؟! إذا فلا يعدو هذا الرأي أن يكون فرضية لا تعتمد على سند تاريخي.
3 - طبيعة التشابه:
بالإضافة إلى فرضية الرأي القائل باكتساب النحو العربي فإننا قد رأينا سابقا مدى الحاجة الملحة لحفظ القرآن الكريم من الضياع والغموض، وبدافع من تلك الحاجة والضرورة الدينية كان لا بد من التفكير في وضع النحو " ووجود تشابه في شئ من النحو بين لغة ولغة لا يدل بالضرورة على أن نحو هذه قد أخذ من نحو تلك ولا سيما بين اللغات الناشئة في منطقة جغرافية واحدة أو مناطق متقاربة ذات احتكاك بينها " (82).
أما " التشابه بين العربية من جهة والسريانية والعبرية من جهة أخرى فهو أمر طبيعي، ذلك لأن هذه اللغات الثلاث من فروع لغة واحدة هي اللغة السامية الأصلية، ولا ريب أن ما ورثته كل لغة هو عين ما ورثته الأخرى من

(81) مجلة البلاغ، واضع النحو الأول، ج 9 ص 26.
(82) مجلة البلاغ، واضع النحو الأول العدد 9، ص 25.
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»
الفهرست