وسوف نبحث في فصل لاحق هذه القضية - قضية تحريك أبي الأسود للمصحف الشريف - لنبحث عن كيفيتها وطريقتها ودوافعها، وأنها تشابه من قريب أو بعيد وضعه للنحو، وأن القادر على القيام بهذه المهمة قادر على وضع الجذور الأساسية والبدائية للنحو.
2 - كتاب أبي الأسود:
فهناك رواية شائعة على ألسنة المؤرخين والنحاة، وهي أنه كان لأبي الأسود كتاب في النحو واسمه " التعليقة " إلا أنه ضاع واختفى كما اختفى غيره من الكتب، وكما اختفى كتابا عيسى بن عمر، اللذان اشتهرا على ألسنة النحاة أيضا، قال أبي قتيبة في كتابه الشعر والشعراء: " أول من عمل كتابا في النحو بعد علي بن أبي طالب " (56) أي أبو الأسود، وقال السيوطي: " قال ابن عساكر في تاريخه: كان أبو إسحاق إبراهيم بن عقيل النحوي الدمشقي المعروف بابن المكبري يذكر أن عنده تعليقة أبي الأسود التي ألقاها إليه علي بن أبي طالب " (57) وقد أكد وجود هذه التعليقة، ابن النديم في فهرسته وأتى بكثير من القرائن والشواهد التاريخية على ذلك (58).
إذا فهذا الكتاب قد رآه ابن النديم، وهو خبير وثقة في الكتب كما صرح بذلك المؤرخون، ويذكر السيد الأمين في أعيان الشيعة نقلا عن ابن النديم في فهرسته قوله: " رأيت ما يدل على أن النحو عن أبي الأسود ما هذه حكايته، وهي أربع أوراق أحسبها من ورق الصين، ترجمتها هذه فيها كلام في الفاعل والمفعول من أبي الأسود - رحمة الله عليه - بخط يحيى بن يعمر، وتحت هذا الخط بخط عتيق:
هذا خط علان النحوي، وتحته: هذا خط النظر بن شميل " (59)، وكذلك ينقل