مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٣ - الصفحة ٥٤
طلاب العربية الذين واصلوا بعده مسيره في تطوير القواعد اللغوية والنحوية والأدبية، وكان يكلفه بعض الأمراء بتعليم أبنائهم، وكان المفزع لهم في معالجة المشاكل اللغوية والنحوية والثقافية، وقد تعرضنا إلى مجالات ثقافية في ترجمة حياته، لذلك نكتفي الآن بهذه الخطوط العريضة، فالجاحظ مثلا يقول: " أبو الأسود معدود في طبقات من الناس وهو في كلها مقدم مأثور عنه الفضل في جميعها، كان معدودا في التابعين والفقهاء والشعراء والمحدثين والأشراف والفرسان والأمراء والدهاة والنحويين والحاضري الجواب والشيعة " (54).
فكان يملك مواهب ثقافية واجتماعية مختلفة، فمثل هذا الشخص الفذ الذي يملك مثل هذه المواهب ألا يحتمل أنه وضع بدايات النحو بعد أن مهد الإمام - عليه السلام - له الطريق، وفتح عينه على هذا الموضوع، وقد أجمع المؤرخون على أنه أول من حرك المصحف الشريف بواسطة التنقيط، وفي هذه العملية دلالة كبيرة على معرفته الواسعة باللغة العربية وحركات الإعراب وعلى ما يملكه من عمق في التفكير وثقافة لغوية، بل تدل على توجهه للقواعد النحوية.
ويتوصل عبد الرحمن السيد إلى النتيجة التالية فيقول: " كما لا يستطيع أحد أن يدعي أن عالما مشهودا له بالتقدم والتفوق مقصودا من الخلفاء والولادة لرسوخ قدمه في العلم وحدة ذكائه في الفهم ينقط المصحف كلمة كلمة، ويلاحظ حركات حروفه حرفا حرفا، ويفعل ذلك في دقة وبراعة ثم يخرج من عمله هذا دون أن تتكون لدية فكرة أولية عن عمل بعض الأدوات أو عن حركة بعض الكلمات ذات الوظيفة المتشابهة والوضع المتحد، اللهم إلا أن يكون راسخ القدم في الغباء بعيدا عن صفات أبي الأسود " (55).
ونحن نضيف إلى قوله: إن من يخوض هذه المهمة ويتكفل بالقيام بها لا بد أن يملك مسبقا توجها وفهما لبعض المسائل والقواعد النحوية.

(54) نقلا عن مقدمة ديوان أبي الأسود - للدجيلي -: 13.
(55) مدرسة البصرة النحوية: 60.
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»
الفهرست