مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٣ - الصفحة ٥٣
الحاجة تدور حول هذا الباب أو ذاك، وبمقدار ما يملكه من ثقافة ووعي وإبداع في خلق النواة الأولى لعلم النحو " فلم يقل أحد أنها وضعت في أول الأمر كاملة على الوجه الذي نراه في كتب العربية اليوم، وإنما قيل إنه وضع بابي المفعول والفاعل أو باب التعجب أو أن وأخواتها.. إلى آخره، فهو لم يضع النحو كاملا، وإنما وضع فكرة أبواب استدعتها الظروف ولا بد أن هذه الأبواب التي وضعها وضعت بطريقة عامة مبسطة ليس فيها من الدقة والتفريع ما نراه اليوم في كتب القواعد، فالاعتراض إذا غير قائم لأن أحدا لم يقل به " (53). ولعل ما يؤيد ذلك، وضع أبي الأسود لفكرة (التعجب) فإنه واجه حالة حفزته على البحث عن هذه الظاهرة بعد أن وجد وقوع اللحن في مجال التعجب خاصة على لسان ابنته حين سألته: " ما أشد الحر " فظنها تسأل، وهي في الواقع تريد التعجب، فهذا المثال - والشك حوله - حفز أبا الأسود على متابعة هذه الظاهرة، حتى وصل أخيرا إلى وضع فكرة بدائية عامة عن التعجب - كما ينقل عنه - مهدت الطريق لمن يأتي بعده ليواصل البحث عنها وعن سائر المسائل.
إذا، فالنحو الذي وضعه أبو الأسود كان بدائيا بسيطا، كما هو الحال في بدايات مختلف العلوم والأفكار، وإلا لتوجه الاعتراض لكل العلوم أنها كيف ولدت في أذهان مخترعيها؟!
تقييم أبي الأسود 1 - شخصية أبي الأسود الثقافية:
ونحن لو درسنا شخصية أبي الأسود - لأن شخصية الإمام (عليه السلام) فوق البرهان - لرأيناه باعتراف المؤرخين والنحاة يملك ثقافة واسعة في مجالي اللغة والفكر، حيث كان مطلعا على لهجات العرب ولغتها وغريبها وأدبها وكان شاعرا غير مكثر، وكان يدرس العربية في البصرة، حيث انصرف إليه بعض

(53) مدرسة البصرة النحوية: 55.
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»
الفهرست