وسمعت أنا كوفيا يسأل بدويا عن ماوان (59) وقد شارفناها، فقال: هي ميهة. فقال الكوفي: أمية مما كانت؟ قال: إي والله أموه مما كانت. كأنه يصححها عليه.
ورأيت الخلق في المسجد الحرام يترادون الكلام في اللغات الفصحى، ويتعادون من له في ميدان البلاغة الخطا الفسحى، ويتذاكرون الكلمات التي تزيغ فيها الحاضرة (60) عن السنن ولا ينقحونها من العجر (61) والأبن (62) كأن أفواههم للحكمة ينابيع، وهم على ذلك مطابيع.
هذا، ولما سمعت العرب القرآن المجيد ملأت الروعة قلوبهم وملكت نفوسهم، وهز الاستعجاب مناكبهم، وأنغض رؤوسهم، وبقي أذلقهم لسانا، وأعرقهم بيانا، كالمحجوج إذا أبكتته الحجة، فأخذته الرجة، وكالياسر إذا أصبح مقمورا مقهورا، فقعد مبهوتا مبهورا، وكالصريع إذا عن له من لا يبالي بصراعه، وكالمرتبع (63) إذا غلبه من لا يلتفت إلى ارتباعه، ولقد قابلوه بأفصح كلامهم، فقال منصفوهم: جرى الوادي فطم على القري (64)، ومن يعبأ بالعباء مع الوشي العبقري (65).