مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٣ - الصفحة ٢٣٠
فكنا كما قال من قبلنا * أريها السها (76) وتريني القمر (77) ذلك أن الشعر كلام ذو وزن وقري (78)، وقافية وروي، أكثره تمويهات وتخاييل، وأكاذيب وأباطيل، ومن ثم سموه سحرا، وزعموا أن لكل شاعر جنيا، وأنه معه رئيا، وأن ذلك الجني يخطره بجنانه ويلقنه إياه ويلقيه على لسانه.
والخطب والرسائل لا يمس طنب القريض أطنابها، ولا تقرع يده أبوابها، والسورة أبعد شوطا منها في التميز، وأعلى فوقا في المباينة والتحيز، بديباجتها الخاصة وذوقها وندائها على أن لا منظوم بطوقها، وعلى أنها ليست من القريحة، المعتصر لها ثرى السجيحة (79)، المستعان فيه بالرؤية والفكر، المستملى من لسان الزكن (80) والحجر (81)، وأن مثلها معه مثل الحيوان الذي هو تسوية الله وتقديره، مع التماثيل التي هي نقش المصور وتصويره، عليها ضياء الجلالة الربانية، وسيمياء (82) الكتب السماوية، وأبهة المسطور في اللوح المنزل في اللوح (83) وآئين (84) الملقن منه وهو

(٧٦) السها: كويكب صغير خفي الضوء في بنات نعش الكبرى، والناس يمتحنون به أبصارهم " لسان العرب - سها - ١٤: ٤٠٨ ".
(٧٧) مثل سائر، ذكره الميداني في مجمع الأمثال ١: ٢٩١ / ١٥٤٥، تحت عنوان " أريها استها وتريني القمر " وذكر قصته، وقال: وبعضهم يرويه " أريها السها وتريني القمر "، يضرب لمن يغالط فيما لا يخفى.
(٧٨) قال الزمخشري وغيره: أقراء الشعر: قوافيه التي يختم بها، كأقراء الطهر التي ينقطع عندها، الواحد قرء، وقرء، وقري، لأنها مقاطع الأبيات وحدودها. " النهاية - قرا - ٤: ٣٢ ".
(٧٩) السجيحة: الطبيعة " الصحاح - سجح - ١: ٣٧٣ ".
(٨٠) الزكن والإزكان: الفطنة، والحدس الصادق. " النهاية - زكن - 2: 307 ".
(81) الحجر: العقل واللب، لإمساكه ومنعه وإحاطته بالتمييز، وفي التنزيل: هل في ذلك قسم لذي حجر. " لسان العرب - حجر - 4: 170 ".
(82) السومة والسيمة والسماء والسيمياء: العلامة. " لسان العرب - سوم - 12: 312 ".
(83) اللوح الأول بالفتح: هو اللوح المحفوظ، والثاني بالضم: الهواء. " لسان العرب - لوح - 2: 585 ".
(84) آئين: كلمة فارسية بمعنى الزينة، استعملها الجاحظ في البخلاء في قصة محمد بن أبي المؤمل فيما حكاه عن لسانه: وكانوا يعلمون أن إحضار الجدي إنما هو شئ من آئين الموائد الرفيعة.
وفي تاريخ العتبي عند شرح هذا البيت في رثاء الصاحب بن عباد:
لم يبق للجود رسم منذ بنت ولا * للسؤدد اسم ولا للمجد آئين قال: وكأنه تعريب آئين، وهو أعواد أربعة تنصب في الأرض وتزين بالبسط والستور والثياب الحسان، ويكون ذلك في الأسواق والصحارى وقت قدوم ملك.
أقول: هو قوس النصر في مصطلح عصرنا هذا " ه‍ م ".
(٢٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 ... » »»
الفهرست