مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٣ - الصفحة ٢١٤
يأتوا بمثله، وتركهم المعارضة مع تكرار التحدي عليهم وطول التقريع لهم، فإذا عجز العرب عن ذلك فنحن أولى بالعجز.
ومن قائل يقول: وجه الاعجاز فيه هو ما اختص به من الفصاحة والبلاغة التي بهرم عند سماعها، وطأطأوا رؤوسهم عند طروقها، وعليه الأكثرون.
فإن عسى اعترض المعترض وقال:
ماذا أعجزهم؟ وماذا أبهرهم؟ ألفاظ القرآن أم معانيه؟! إن قال: أردت الألفاظ مع شئ منهما لا يجب فضل البتة على تقدير الانفراد، لأن الألفاظ [لا] تراد لنفسها، وإنما تراد لتجعل دلالات على المعاني، ولأن الألفاظ التي نطق بها القرآن ليست إلا أسماء وأفعالا وحروفا مرتبطا بعضها ببعض، ويستعملونها في مخاطباتهم، وكذلك الجمل المنظومة.
وإن قال: أعجزهم المعاني. يقال له: أليس إنهم كانوا أرباب العقول وأهل الحجى، يدركون غوامض المعاني بأفهامهم، ولهم المعاني العجيبة، والتمثيلات البديعة، والتشبيهات النادرة.
وإن قال: بهرم النظم العجيب. يقال له: أليس. معنى النظم هو تعليق الكلم بعضها ببعض، وهي الأسماء والأفعال والحروف، ومعرفة طرق تعلقها، كتعلق الاسم بالاسم، بأن يكون خبرا عنه أو صفة له أو عطف بيان منه، أو عطفا بحرف عليه، إلى ما شاكله من سعة وجوهه، وكتعلق الاسم بالفعل، بأن يكون فاعلا له، أو مفعولا، إلى سائر فروعه واتباعه، وكتعلق الحرف بهما كما هو مذكور في كتب النحو، وهم كانوا يعرفون جميع ذلك، وكانوا يستعملونه في أشعارهم وخطبهم ومقاماتهم، ولو لم يعرفوا وجوه التعلق في الكلم، ووجوه التمثيلات والتشبيهات، لما تأتى لهم الشعر الذي هو نفث السحر.
فحين تأتى لهم ذلك، ومع هذا عجزوا عن المعارضة، دل على أن الله تعالى أحدث فيهم عجزا ومنعا.
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»
الفهرست