أدرك شيئا قد أدرك ذاته في ضمن إدراك ذلك الشئ، لعلمه بأن ذاته أدرك ذلك الشئ، فإدراك كل شئ ملازم لإدراك الذات، وهو ملازم لحضور الذات بتمامها عند ذاته، ولو لم يكن للنفس مقام التجرد بل كان ماديا وذا امتداد امتنع حضور تمام ذاته لذاته، لأن كل جزء من أجزاء الممتدات بمكان ومحل غير محل الجزء الآخر وكل جزء غائب عن سائر الأجزاء لكون كل جزء مادي ثابت ومستقر في محل نفسه لا في محل غيره فلا يمكن حضور الذات بتمامها عند الذات إن كانت مادية ذات مقدر وامتداد وهذا خلف. فلا بد وأن يكون - الذات المدركة بلا مادة ومقدار وامتداد ومجردة عنها و هو المطلوب.
الثالث - أن المسلم بالوجدان امتناع ورود الأحوال المتضادة والحالات المختلفة على نفس الإنسان بالنسبة إلى شئ واحد من جميع الجهات والخصوصيات، مثل أن يكون بالنسبة إلى أمر واحد في زمان فارد عالما وجاهلا وذا محبة وذا عداوة ونحوها ولو كانت النفس مادية وكانت حركاتها وسكناتها وتأثراتها من تبعات - المادة والبدن العنصري لكانت ذات امتداد ولو كانت كذلك لأمكن أن يكون جزء منها معروضا لعارض وجزء منها معروضا لما يضاده أو يناقضه وهذا خلف.
الرابع - من الواضح الذي لا ريب فيه أن الكيفيات المختلفة والعوارض الواردة على سطوح الأجسام والموجودات المادية تتزاحم ولا يمكن اجتماعها، فإذا كان لوح مشتغلا بنقوش وخطوط محيطة بجميع سطحه لا يمكن أن يرد عليه نظائرها إلا بمحو الأولى وكذلك لو كان تمام صفحته ملونا بلون أحمر لا يمكن أن يتلون