صفات الله عند المسلمين - حسين العايش - الصفحة ٢٩
الشهود بذلك ووصفها بين يدي قاضي القضاة، قال قاضي القضاة لابن تيمية: ما تقول: قال: لا إله إلا الله، فأعاد عليه، فأجاب عليه بمثل قوله، فأمر الملك الناصر بسجنه، فسجن أعواما وصنف في السجن كتابا سماه (البحر المحيط).
ثم إن أمه تعرضت للملك الناصر وشكت إليه، فأمر بإطلاقه إلى أن وقع منه مثل ذلك ثانية، وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم، فكان من جملة كلامه أن قال: (إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا) ونزل درجة درجة من درج المنبر، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء وأنكر ما تكلم به فقامت العامة إلى الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضربا كثيرا (1).
وهذا النص من ابن بطوطة يحتاج إلى وقفة تأمل، فإن قوله في عقله شئ يتبين أن الرجل ليس بسليم من الناحية العقلية، ولذا تصور أن الله كالإنسان وشبهه بنفسه في نزوله من المنبر، ووقوف العلماء في وجهه خير دليل على أنه ليس من أتباع السلف الصالح، كما يحاول هو أن يثبته لنفسه وإلا فكيف وقف ضد علماء المالكية؟ وكيف سجن بأمر من قاضي القضاة في مصر؟، وأيضا كيف سكت ولم يدلي بآرائه أمام الفقهاء لما أحضر وتذرع ب‍ (لا إله إلا الله) مع أنه إذا كان لا إله إلا الله دون تأويل هو حقيقة التوحيد كما أبانه بموقفه العملي، فلا فرق إذن بين التوحيد الذي يحاول أن يشرحه في رسائله ويحاول أن يحمل الناس عليه، وبين ما يردده المسلمون عامة من قول لا إله إلا الله من دون الاعتراف بأن الله جسم، وأن الله فوق العرش دون أن تثبت لفوقيته خصائص فوقية المخلوق على المخلوق ولوازمها (2).
وفي هذا التأويل ردا لما ذهب إليه من نزول الله من العرش إلى السماء في كل

(1) رحلة ابن بطوطة، ص 95 - 96 طبع دار صادر 1384 ه‍.
(2) العقيدة الحموية، ص 428 - 44.
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»
الفهرست