درويش الحوت البيروتي: إن جماعة من الحنابلة وقعوا في ورطة التجسيم وحملهم على ذلك زعمهم أن الإمام أحمد يمنع التأويل، ثم قال: فيا ليتهم حيث قلدوه في منع التأويل كانوا قلدوه في وجوب التنزيه، لكنهم تبعوه في بعض وخالفوه في بعض، ثم أضاف بأن التأويل ليس ممنوعا فإنه جرى عليه كثير من أهل السنة من المذاهب الأربعة.
ونقل المعلق على الكتاب خلاف ما ذهب إليه المجسمة عن أحمد. وقال: يكفي في تبرأت الإمام أحمد ما نقله الإمام أبو الفضل التميمي رئيس الحنابلة ببغداد وابن رئيسها عن أحمد، قال: (أنكر أحمد على من قال بالجسم، وقال: إن الأسماء مأخوذة من الشريعة واللغة، وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم إلى ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف والله سبحانه وتعالى خارج عن ذلك، ولم يجئ في الشريعة ذلك فبطل) نقله البيهقي عنه في مناقب أحمد، وأضاف أنه ثبت عن الإمام أحمد أنه أول لما روى البيهقي في كتاب مناقب أحمد عن حنبل ابن إسحاق قال:
سمعت عمى أبا عبد الله - يعني الإمام أحمد - يقول: احتجوا على يوم أذن - يعني يوم نوظر في دار أمير المؤمنين - فقالوا تجئ سورة البقرة يوم القيامة، وتجئ سوره تبارك، فقلت لهم: إنما هو الثواب، قال الله تعالى: (وجاء ربك) إنما تأتي قدرته (أي أثر قدرته) وإنما القرآن أمثال ومواعظ، وقد قال البيهقي: وهذا إسناد صحيح لا غبار عليه (1).
ومن خلال هذا النقل الذي صححه البيهقي يتضح لنا بأن أحمد عدل عن آراءه السابقة في التجسيم، وأن الاستدلال السابق بأن التركيب من يدين، ورجلين، وشفتين، لا ينافي الوحدة كما سمى الله الرجل الكافر واحدا، مع أنه مركب لا يراه أحمد هنا ويرى أن استعمالات القرآن ينبغي أن تحمل على ما يتلائم مع الذوق