سياسة الأنبياء - السيد نذير يحيى الحسيني - الصفحة ٣٤
إياس نوح من الدعوة * (قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصدقين) * (1).
هؤلاء لا يمتلكون العقول لكي يسيروا خلفها وإلا لا يوجد إنسان لا يتبع الحجة والبرهان وهو يمتلك قليلا من الشعور. فيا نوح نحن لن نؤمن لك ولقد مللنا من جدالك فأتنا بالعذاب الذي تعدنا به وما نحن بمؤمنين فأجاب نوح (عليه السلام) فقال: - * (إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين) * (2) حتى في هذه اللحظات يحاول نوح (عليه السلام) أن يدعوهم إلى الله وتوحيده واتباع أمره فهو يضيف لهم مفهوم جديد بأنه غير قادر على أن يتصرف بمفرده وأن دعوته لهم ليست شخصية وذاتية نابعة من دوافع مصلحية وإلا لو كانت كذلك لقال لهم سوف أعذبكم وأخسف بكم الأرض انتصارا لما واجهه منهم فهو يقول لهم.
* (إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين) * فعلق العذاب على مشيئة الله تعالى وأنتم لا تعجزون الله إذا أرد شيئا أن يقول له كن فيكون، فالأمر بيد الله تعالى لا بيدي أنا رسول رب العالمين فإذا أراد الله أن يغويكم لا أستطيع أن أصلحكم مهما فعلت وإذا أراد أن يصلحكم لا أستطيع إغوائكم فهو الخالق وهو المدبر أمر هذا الكون.
* (ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن انصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون) * (3) فهذه هي الوسيلة الثانية من وسائل المواجهة وهي وسيلة غلق الباب أمام نوح تماما فهم لا يريدون أن يؤمنوا بأن هناك ربا واحدا مدبرا لأمر هذا الكون بل يرغبون بالبقاء على ما هم عليه مهما كلف الأمر وطلبوا منه أن يأتيهم بالعذاب إن كان صادقا أما سياسة نوح فاتخذت طابع الهداية من الأول فقال لهم يهديهم أنا لا أملك أمر عذابكم الأمر بيد الله تعالى فهذا الرد الهادي النابع من صميم القلب الحنون الذي يخاف على قومه (عذاب أليم) هذا الرد لم يواجهه القوم بروح مماثلة أي بروح الحب والحنان بل واجهوه بطرف وأساليب ضيقة لا تصل إلى نتيجة فقالوا له

(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»