سياسة الأنبياء - السيد نذير يحيى الحسيني - الصفحة ٣٢
وأما الشق الثاني بأنهم يحملون نفس المواصفات التي يحملها نوح فهذه مغالطة منهم لا يمتلكون تلك المواصفات التي استحق بها نوح النبوة ولم يقرهم نوح على ذلك فقال لهم.
* (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) * (1) فأنا رسول رب العالمين على بينة من ربي عميتم عنها بسبب اتباعكم الظلال والأعراض، فعندي جميع ما تحتاج الرسل إليه من الله في رسالته وقد أوقفتكم عليه لكنكم لا تؤمنون به طغيانا واستكبارا وليس على أن أجبركم إذ لا إجبار في دين الله (2).
جواب المسألة الثالثة * (وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكن أراكم قوما تجهلون) * (3) فالقوم طلبوا من نوح (عليه السلام) أن يطرد الأراذل بحسب تعبيرهم ويعنون بهم الفقراء لأن الفقير في تلك المجتمعات خلق ليتمتع به الغني فهو وسيلة من وسائل جلب المنافع للأغنياء فيعدوهم أراذل، فهم يقولون لنوح اطراد هؤلاء من حولك فهم اتبعوك من غير روية وتفكير فأجابهم نوح (عليه السلام) بأن هؤلاء مؤمنين وأنا لا اطردهم وما أحكامكم عليهم إلا لأنهم فقراء لا يملكون ما تمتلكون فحكمتم عليهم في الظاهر وهذا جهل منكم لعل الله رافعهم درجات عنده وواضعكم، ثم أراد أن يؤكد هذا المبدأ وهو أن الفقراء وغيرهم خلق واحد لا تمايز بينهم في أمور ظاهرية غير مقاس عليها فقال لهم.
* (ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في نفوسهم إني إذا لمن الظالمين) * (4) يعني لا أقول للذين تستغلونهم وتستهينون بهم لموازين ومقاييس أنتم جعلتموها لا أقول لهم إن الله لن يؤتيهم من فضله بل الله أعلم منا بهم فهذا من أروع الردود على

(١) هود: ٢٨.
(٢) الميزان ج ١٠.
(٣) هود: ٢٩.
(٤) هود: ٣١.
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»