سياسة الأنبياء - السيد نذير يحيى الحسيني - الصفحة ٢٩
عليكم عذاب يوم أليم) * (1) فهذا العذاب المتوقع باعتباره سنة إلهية جرت على عالم التكوين فهو أما عذاب الاستئصال أو عذاب القيامة، فنوح (عليه السلام) يبين لهم السر من دعوته أنه يخاف عليهم من عذاب الظلال والانحراف عن طريق الحق والسلوك الغير منطقي وراء الشهوات الفانية.
فهذه الدعوة النابعة من قلب حنون * (إني أخاف عليكم) * فهو يخاف على قومه وكأنهم أبناءه وإخوانه وهذا شأن كل الأنبياء (عليهم السلام) لأنهم ينطلقون من منطق الرحمة والرأفة بأقوامهم ويتحركون وفق ما تمليه عليهم رسالاتهم في دعوت الشعوب ومقابل هذا نجد الذين خاف عليهم نوح عذاب يوم أليم يواجهون الرسالة وقائدها بتقاليد سادت في مجتمعاتهم لم تكن لها قاعدة في التفكر المنطقي بل أملتها الظروف التي عاشوها فهم واجهوه بالعادات بعيدا عن الأفكار والحجج العقلية.
* (فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادئ الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين) * (2).
هذه المواجهة حددت لنوح (عليه السلام) عدة مسائل فلا بد من معرفتها أولا ثم معرفة الطرق التي استخدمها نوح في مواجهة قومه على ما أثاروه من مسائل.
المسألة الأولى:
* (فقال الملأ الذين كفروا من قومه) * المتتبع لرسالات الأنبياء في القرآن يجد أن المتصدي الأول لها هم الملأ أي الأغنياء وأصحاب الثروات المادية والمعنوية في المجتمع والسر في ذلك أن هؤلاء يعيشون في وضع مستقر نسبيا بعيدين عن الهزات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تصيب المجتمع، فالأنبياء (عليهم السلام) واجهوا القوى الموجودة في المجتمع ، لأن الأغنياء هم القوة العامة بما يمتلكون من مقومات اقتصادية جعلتهم في سلم الهرم الاجتماعي، فكيف واجه نوح هذه المشكلة مع العلم بأن هؤلاء يترصدون الأجواء ويحاولون أن يحافظوا على مواقعهم وعلى أموالهم ولا يسمحوا لأحد أن يقودهم ظنا منهم أنه بحاجة إلى ما يمتلكون.
المسألة الثانية:

(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»