سياسة الأنبياء - السيد نذير يحيى الحسيني - الصفحة ١٤٤
هدف السرية كان هو الحفاظ على الرسالة من القتل في المهد، لما في المجتمع من أساليب إجرامية تفعل ما تشاء بدون حد، فاستمرت الدعوة السرية ثلاث أو خمس سنوات حتى أصلت جذورها وأحكمت قواعدها بحيث تكون قادرة على أن تقف أمام جبروت وعزة قريش، فكانت الرسالة في بداياتها ترتضع من ثدي السماء وتترعرع شيئا فشيئا على أكتاف أول المسلمين بها وفي مقدمتهم (1) علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فتهيئة القاعدة من الأركان الأساسية للدعوة وأهم مرحلة من مراحل البناء هي مرحلة الإعداد النفسي والتربية العقائدية ورفع المعنويات لتلك الثلة التي آمنت بالرسول (صلى الله عليه وآله) وصدقت به في أول دعوته فلا بد أن يبدأ التغيير من القاعدة الأساسية في البناء بحيث يكون تغييرا شاملا لكل القيم والعادات والتقاليد التي كانت تحكمهم في مرحلة الجاهلية.
وما أن اكتمل عدد المسلمين ثلاثين شخصا كما قيل وأصبحوا يستنون بسنن خاصة تختلف عن سنن المجتمع السائدة وشاع الخبر وتسربت الأقاويل وكثرت الكلمات فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أصحابه إلى دار الأرقم أو إلى شعب أبي طالب (2) لتكون تلك البقعة التي اجتمعوا فيها مركز للإشعاع العالمي فسمي المكان الذي انطلق الإسلام منه بدار الإسلام (3).
القرار السياسي لم تدخر قريش أي وسيلة من وسائل المواجهة مع الرسول (صلى الله عليه وآله) وأنصاره وبدأت المعاناة تشتد على المسلمين يوما بعد يوم فاختار رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحل السياسي الذي يذل قريش لعدم حفظ أبنائها، ويعز الإسلام بنشره في كل صقاع المعمورة فاختار رسول الله (صلى الله عليه وآله) الهجرة للرعيل الأول من المسلمين وحدد لهم مكانهم وهو الحبشة والسر في هذا الاختيار بينه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قوله " أن فيها ملكا لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق وأنه يحسن الجوار " (4).
فهاجر المسلمون إلى الحبشة في السنة الخامسة من البعثة وأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله)

(١) الغدير: ٣: ٩: 10.
(2) الصحيح من سيرة النبي الأعظم 2 / 346.
(3) التراتيب الإدارية 1 / 408 عن الصحيح من سيرة النبي الأعظم 2 / 345.
(4) الصحيح من سيرة النبي الأعظم 2 / 346.
(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»