سياسة الأنبياء - السيد نذير يحيى الحسيني - الصفحة ١٣٣
خليفة موسى (عليه السلام) إذا أردت أن تكشف مدى الوعي الحضاري عند أي أمة من الأمم فغيب عنها قائدها ، فإذا غاب القائد برزت الشخصية التي يتمتع بها المجتمع على حقيقتها، وبان مدى وعيهم وأسلوبهم في التفكير، وطريقتهم في التعامل وبمعنى آخر أن القائد في المجتمع هو القاتل لكل ما تحدث به النفوس على خلاف الموجود والمقرر داخل الشعوب، فهذا موسى (عليه السلام) عندما امتثل أمر الله تعالى خلف علي بني إسرائيل أخيه هارون ليصلح أمورهم ويراعي شؤونهم، وذهب موسى بعيدا عنهم للقاء ربه، وما أن غاب قليلا اهتزت المشاعر وتحركت، وتزعزعت النفوس، وجاء السامري، وصنع لهم العجل، وخضع المجتمع له.
* (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار آلم يروا إنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين) * (1) فانحرف المجتمع عن خط الرسالة، وبدأ نجم الحضارة يأفل نتيجة لهذا الانحطاط العقائدي الغريب بسبب غياب القائد وعندما رجع موسى (عليه السلام) وبخهم على هذا العمل الشنيع.
* (ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألوح وأخذ برأس أخيه يجره إليه) * (2).
فاستنكر فعلهم هذا واستهزء بتلك العقول التي لم تفكر إلا بشهواتها ورغباتها عندما استضعفوا هارون وهددوه بالقتل إذا لم يذعن لهم.
* (ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين) * (3).
تركهم هارون ولم يواجههم إلا بالبيانات الكلامية حفاظا على وحدتهم وعدم تفرقهم وإلا لو كانت المواجهة بين بني إسرائيل وهارون بغير ذلك لصنعوا ألف عجل ولعبدوا ألف صنم فحافظ على وحدتهم بحكمته وما العجل إلا زبد يذهب جفاء

(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»