سياسة الأنبياء - السيد نذير يحيى الحسيني - الصفحة ١٢٨
كان فرعون قبل المواجهة فرحا بما يملك من طاقات سحرية في قومه، قادرة على أن تدفع عنه التهديد، والدعوات الحقة الطارئة في المجتمع، بما تحمل من أفكار جديدة، ولكن بعد المواجهة مباشرة، وبعد انتصار موسى وتوجه السحرة إليه موسى والخضوع له لما شاهدوه من عجيب أمره، ثارت ثائرة فرعون عندما أحس بفقد السيطرة على المجتمع، وتقوض أمره داخل مجتمعه فعندما أحس بذلك كله لجأ إلى أسلوب الترهيب ولكن اليوم ليس مع بني إسرائيل كما كان سابقا بل مع السحرة الذين آمنوا بموسى.
* (قال آمنتم له قبل أن أذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى) * (1).
من هذا النص القرآني تبين لنا مدى الحقد الذي يحمله فرعون على موسى وأصحابه الذي حاول أن يخفيه في بداية الرسالة بالحوار والسؤال وبالحجج الكلامية بحيث لا يعطي لموسى أهمية تذكر، فبعد أن علم أن المجتمع عدل إلى جادة الصواب واتخذ ربا غيره برز حقده بالتعذيب والتقطيع والصلب، فهي طريقة الطغاة المثلى لدى المواجهات وفي حالات الفشل ولكن هذا التهديد لم يأخذ مأخذه كما كان يهدد، ولا يرهبهم تهديد فرعون وجلاوزته، فجابهوا كلامه وتهديده بالاستهزاء والسخرية كما بين لنا ذلك القرآن الكريم بهذا النص..
* (قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا) * (2) " كلام بليغ في منطوقه بالغ في مفهومه بعيد في معناه رفيع في منزلته يغلي ويفور علما وحكمة " (3).
عجيب أمر هؤلاء قبل قليل كانوا يحلفون بعزة فرعون ويرونه الرب الأعلى لهم، والآن يكونوا دعاة لموسى ولرسالته ويفصلون بين الحياة الدنيا والآخرة ويحددون قدرة فرعون بالحياة الدنيا وهم ليسوا أجساد حتى يخافون هذا الحكم الدنيوي بل

(١) طه: ٧١.
(٢) طه: ٧٢.
(3) الميزان ج 15: 180.
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»