يفتخر الإقتصاد الحديث بمختلف مدارسه (الاشتراكية والرأسمالية) وغيرها بكشفه الكثير من النظريات الاقتصادية التي كانت خافية على المجتمعات لما للاقتصاد من أهمية فهو يمثل عصب الحياة البشرية (1) فرسم الخطة الاقتصادية لم تكن بالهينة، بحيث يستطيع أي شخص يقوم بها ويوفر لمجتمعه المكاسب المادية، فهي تقوم على أساس حسابات وتنبؤات اقتصادية مسبقة داخل السوق ومعرفة وحذاقة بما تؤول إليه الأمور بعد ذلك. ونلاحظ أيضا أن كثير من النظريات الاقتصادية باءت بالفشل عندما ارتطمت بالواقع فوجدت أفكارها تناقضه ولا تنسجم معه فبدأت مساوئ تطبيق تلك النظريات (2) ونحن هنا لا نريد أن نخوض في عيوب تلك الأنظمة الاقتصادية لأنه ليس من مهام بحثنا ولكن سقنا الكلام كمقدمة لفهم مدى الإنجاز الاقتصادي الذي حققه يوسف (عليه السلام) لمجتمعه عندما رسم لهم تلك الخطة المتوسطة الأمد التي حفظت المجتمع من خطر الهلاك والسقوط فلنتابع القصة من القرآن الكريم الذي نقل الخطوط العامة منها * (وقال الملك أني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون) * (3) فهذه رؤيا الملك التي حملت إلى قومه الانذار من الكوارث الاقتصادية التي ستحل بالبلاد، رأى في منامه سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسنبلات خضر وأخر يابسات، وطلب من الملأ أن يفسروا هذه الرؤيا العجيبة التي تدل على معنى معين البتة فأجابوه جواب من لا يعلم وذلك بأنه من اختلاط الأحلام بعضها ببعض ونحن لا نعلم إلا تأويل الرؤيا الصالحة فنطق الساقي بأنه قادر على أن يجلب لهم التفسير الصحيح لهذه الرؤيا ولكن بشرط أن يرسلوه إلى ذلك العبد الصالح الذي يتلألأ وجهه نورا فأعطوا الساقي الفرصة لجلب الجواب الذي سيجعل من يوسف رجلا أولا في الدولة يدبر أمورها ويسير شؤونها، فجاء إلى السجن ليحمل البشرى إلى قومه ووصل إلى يوسف * (يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم
(١٠١)