ذلك أصوب في تدبيرهم. وأصل الضلال هو العدول، وكل من عدل عن شئ وذهب عنه فقد ضل. ويجوز أيضا أن يريدوا بذلك الضلال عن الدين، لأنهم خبروا عن اعتقادهم. و [قد] يجوز أن يعتقدوا في الصواب الخطأ.
فإن قيل: كيف يجوز أن يقع من إخوة يوسف (عليه السلام) هذا الخطأ العظيم والفعل القبيح وقد كانوا أنبياء [في الحال]؟ فإن قلتم: لم يكونوا أنبياء في [تلك] الحال، قيل لكم: وأي منفعة في ذلك لكم وأنتم تذهبون إلى أن الأنبياء (عليهم السلام) لا يوقعون القبائح قبل النبوة ولا بعدها؟
قلنا: لم تقم الحجة بأن إخوة يوسف (عليه السلام) الذين فعلوا به ما فعلوا (1) كانوا أنبياء في حال من الأحوال، وإذا لم تقم بذلك حجة جاز على هؤلاء الإخوة من فعل القبيح ما يجوز على كل مكلف لم تقم حجة بعصمته، وليس لأحد أن يقول كيف تدفعون نبوتهم؟ والظاهر أن الأسباط من بني يعقوب (عليه السلام) كانوا أنبياء، لأنه لا يمتنع أن يكون الأسباط الذين كانوا أنبياء غير هؤلاء الإخوة (2) الذين فعلوا بيوسف (عليه السلام) ما قصه الله تعالى عنهم.
وليس في ظاهر الكتاب أن جميع إخوة يوسف (عليه السلام) وسائر أسباط يعقوب (عليه السلام) كادوا يوسف (عليه السلام) بما حكاه الله تعالى من الكيد، وقد قيل: إن هؤلاء الإخوة في تلك الحال (3) لم يكونوا بلغوا الحلم، ولا توجه إليهم التكليف. وقد يقع ممن قارب البلوغ من الغلمان مثل هذه الأفعال، وقد يلزمهم بعض العقاب [واللوم والذم]، فإن ثبت هذا الوجه سقطت المسألة أيضا، مع تسليم ان هؤلاء الإخوة