وقد روي عن ابن عباس (رضي الله عنه) في قوله تعالى: * (فلا اقتحم العقبة) * (1) قال:
هو أفلا اقتحم العقبة؟ فألقيت ألف الاستفهام. وبعد، فإذا جاز أن يلقوا ألف الاستفهام لدلالة الخطاب عليها، فهلا جاز أن يلقوها لدلالة العقول عليها؟ لأن دلالة العقل أقوى من دلالة غيره.
[تنزيه إبراهيم (عليه السلام) عن الكذب:] مسألة: فإن قيل (2): فما معنى قوله تعالى مخبرا عن إبراهيم (عليه السلام) لما قال له قومه: * (أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون) * (3) وإنما عنى بالكبير الصنم الكبير. وهذا كذب لا شك فيه، لأن إبراهيم (عليه السلام) هو الذي كسر الأصنام، فإضافته تكسيرها إلى غيره ممن لا يجوز أن يفعل شيئا لا يكون إلا كذبا.
الجواب: قيل له: الخبر مشروط غير مطلق، لأنه قال: * (إن كانوا ينطقون) * [ومعلوم أن الأصنام لا تنطق]، وأن النطق مستحيل عليها. فما علق بهذا المستحيل من الفعل أيضا مستحيل، وإنما أراد إبراهيم (عليه السلام) بهذا القول تنبيه القوم وتوبيخهم وتعنيفهم بعبادة من لا يسمع ولا يبصر ولا ينطق ولا يقدر أن يخبر عن نفسه بشئ، فقال: إن كانت هذه الأصنام تنطق فهي الفاعلة للتكسير، لأن من يجوز أن ينطق يجوز أن يفعل. وإذا علم استحالة النطق عليها علم استحالة الفعل [عليها]، وعلم باستحالة الأمرين أنها لا يجوز أن تكون آلهة