فيهما، إلا أنه ليس بألم، إما بأن يكون لذة أو ليس بألم ولا لذة، ففي الناس من ذهب إلى أن الألم لا يحسن (1) في هذا الموضع، وإنما يحسن [بحيث لا يقوم مقامه ما ليس بألم] في المصلحة، والصحيح انه حسن، والله تعالى مخير في فعل أيهما شاء، والدليل على صحة ما ذكرناه انه لو قبح والحال هذه، لم يخل من أن يكون إنما قبح من حيث كان ظلما أو من حيث كان عبثا. ومعلوم أنه ليس بظلم، لأن العوض الزائد العظيم الذي يحصل عليه يخرجه من كونه ظلما.
وليس أيضا بعبث لأن العبث هو ما لا غرض فيه، أو ما ليس فيه غرض مثله.
وهذا الألم فيه غرض عظيم جليل، وهو الذي تقدم بيانه. ولو كان هذا الغرض غير كاف فيه ولا يخرجه من العبث لما أخرجه من ذلك إذا لم يكن هناك ما يقوم مقامه.
وليس لهم أن يقولوا: إنه إنما قبح وصار عبثا من حيث كان هناك ما يغني عنه، لأن ذلك يؤدي (2) إلى أن كل فعلين ألمين كانا أو لذتين، أو ليسا بألمين ولا لذتين، أو أفعال تساوت في وجه المصلحة يقبح فعل كل واحد منها، لأن العلة التي ادعيت حاصلة.
وليس له أن يقول: إن الألم إنما يقبح إذا كان فيه من المصلحة، مثل ما في فعل هو لذة من حيث كان يغني عنه ما ليس بألم، وذلك أن العوض الذي في مقابلته يخرجه من كونه ضررا ويدخله في أن يكون نفعا، ويجريه على أقل الأحوال مجرى ما ليس بضرر، فقد عاد الأمر إلى أن الألم بالعوض قد ساوى ما ليس بألم، وحصل فيه من الغرض (3) المؤدي إلى المصلحة مثل ما فيه،