بوحي من الله (1) إليه، وذلك امتحان منه لنبيه يعقوب (عليه السلام) وابتلاء لصبره، وتعريض للعالي من منزلة الثواب، ونظير ذلك امتحانه له (عليه السلام) بأن صرف عنه خبر يوسف (عليه السلام) طول تلك المدة حتى ذهب بصره بالبكاء عليه، وإنما أمرهم يوسف (عليه السلام) بأن يلطفوا بأبيهم في إرساله من غير أن يكذبوه أو يخدعوه.
فإن قيل: أليس قد * (قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون) * (2)، والمراودة هي الخداع والمكر؟
قلنا: ليس المراودة ما ظننتم، بل هي التلطف والتسبب والاحتيال، وقد يكون ذلك من جهة الصدق والكذب جميعا، فإنما أمرهم بفعله على أحسن الوجوه فإن خالفوه فلا لوم إلا عليهم.
[تنزيه يوسف (عليه السلام) عن الكذب وتهمة إخوته:] مسألة: فإن قيل: فما معنى جعل السقاية في رحل أخيه، وذلك تعريض منه لأخيه بالتهمة، ثم إن أذن مؤذنه ونادى بأنهم سارقون ولم يسرقوا على الحقيقة؟
الجواب: [قلنا:] أما جعل السقاية في رحل أخيه، فالغرض فيه التسبب إلى احتباس أخيه عنده، ويجوز أن يكون ذلك بأمر الله تعالى، وقد روي أنه (عليه السلام) أعلم أخاه بذلك ليجعله طريقا إلى التمسك به، فقد خرج على هذا القول من أن يكون مدخلا على أخيه غما وترويعا بما جعله من السقاية في رحله، وليس