تنزيه الأنبياء والأئمة (ع) - فارس حسون كريم - الصفحة ١٢٧
يتأتى في قوله: * (رب السجن أحب إلي) *، لأن الأمرين يعني: المعصية ودخول السجن، مشتركان في أن لكل منهما داعيا وعليه باعثا، وإن لم [يكن] يشتركا في تناول المحبة، فجعل اشتراكهما في دواعي المحبة اشتراكا في المحبة نفسها، وأجرى اللفظ على ذلك.
فإن قيل: كيف يقول: * (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين) * (1)، وعندكم ان [امتناع] القبيح منه (عليه السلام) ليس مشروط بارتفاع الكيد عنه، بل هو ممتنع منه وإن وقع الكيد؟
قلنا: إنما أراد يوسف (عليه السلام) انك متى لم تلطف بي لما تدعوني إلى مجانبة الفاحشة وتثبتني على تركها صبوت (2)، وهذا منه انقطاع إلى الله تعالى وتسليم لأمره، وانه لولا معونته ولطفه ما نجا من الكيد، والكلام وإن تعلق في الظاهر بالكيد نفسه، فقال (عليه السلام): * (وإلا تصرف عني كيدهن) * فالمراد به: إلا تصرف عني [ضرر] كيدهن لأنهن إنما أجرين بالكيد إلى مساعدته لهن على المعصية، فإذا عصم منها ولطف له في الانصراف عنها كان الكيد مصروفا عنه من حيث لم يقع ضرره، وما أجري به إليه، ولهذا يقال لمن أجرى بكلامه إلى غرض لم يقع:
" ما قلت شيئا ". ولمن فعل ما لا تأثير له: ما فعلت شيئا. وهذا بين بحمد الله تعالى.
[تنزيه يوسف (عليه السلام) عن التعويل على غير الله:] مسألة: فإن قيل: كيف يجوز على يوسف (عليه السلام) وهو نبي مرسل أن يعول

(١) سورة يوسف: ٣٣.
(2) الصبوة: لطافة الهوى.
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»