المادية والعلل الأخرى الكامنة في سر الغيب يجد أنه يجعل علل العالم الغيب، أقوى بكثير من علل العالم المادي، بما لا يمكن المقايسة بينهما، بحيث أنه يعطيها القدرة على إبطال كل مفاعيل العلل المادية، فانظر إلى الجبل الذي يتحرك ليطير فوق رؤوس أصحاب موسى (عليهم السلام)، وإلى الطير التي يقطعهن إبراهيم (عليه السلام) وينثر أشلائهن فوق قمم أربعة أجبل، فيناديهن فيأتين سعيا، وإلى الشجرة التي تتكلم، وإلى البقرة المذبوحة التي يضرب جسد الميت بها فيحيى، وإلى عرش بلقيس الذي ينقل من مكانه في اليمن إلى مكان سليمان (عليه السلام) في الشام في عملية ينعدم فيها الزمن، وإلى محمد (ص) الذي يرقى إلى حيث ينعدم المكان فيصبح على قاب قوسين أو أدنى أو إلى الجبل الذي يتصدع من خشية القرآن، والقمر الذي ينشق، والقرآن الذي تحل فيه علة الشفاء من المرض.
إن كل ذلك يفضي بنا إلى حقيقة قرآنية صارخة نجدها مطبوعة في كل مكان من أرجاء القرآن، وهي أن عالم الملكوت الإلهي عالم لا ينحصر على العالم المادي، بل إن العالم المادي هو الأضعف من بين بقية العوالم الأخرى التي يتبين أنها تتفاعل بنظام علية غير نظامنا، ومع هذا النظام تستحيل العلل المادية إلى علل ضعيفة،