وسترى في وسط السكة دارا لها باب، صفته كذا وكذا، فاعرفه واجلس بعيدا منها في أول السكة فإنه سيقبل عليك عند المغرب كهل طويل مسنون (مستور) الوجه، قد أثر السجود في جبهته، عليه جبة صوف، يستقي الماء على جمل [وقد انصرف يسوق الجمل]، لا يضع قدما ولا يرفعها إلا ذكر الله عز وجل، ودموعه تنحدر، فقم وسلم عليه وعانقه، فإنه سيذعر منك كما يذعر الوحش، فعرفه نفسك، وانتسب له، فإنه يسكن إليك، ويحدثك طويلا، ويسألك عنا جميعا، ويخبرك بشأنه ولا يضجر بجلوسك معه، ولا تطل عليه، وودعه، فإنه يستعفيك من العودة إليه، فافعل ما يأمرك به من ذلك، فإنك إن عدت إليه توارى عنك واستوحش منك، وانتقل عن موضعه، وعليه في ذلك مشقة، فقلت: أفعل ما أمرتني، ثم جهزني إلى الكوفة وودعته وخرجت، فلما وردت الكوفة قصدت سكة بني حي بعد العصر، فجلست خارجها بعد أن تعرفت الباب الذي نعته لي، فلما غربت الشمس إذا أنا به قد أقبل يسوق الجمل، وهو كما وصف لي أبي لا يرفع قدما ولا يضعها إلا حرك شفتيه بذكر الله، ودموعه ترقرق في عينيه، وتذرف أحيانا، فقمت فعانقته فذعر مني كما يذعر الوحش من الإنس، فقلت: يا عم أنا يحيى بن الحسين بن زيد ابن أخيك، فضمني إليه، وبكى حتى قلت:
قد جاءت نفسه، ثم أناخ جمله وجلس معي، فجعل يسألني عن أهله رجلا رجلا، وامرأة امرأة، وصبيا صبيا، وأنا أشرح له أخبارهم، وهو