ومستعدا للارتقاء والسمو والتكامل، والصحابي بما هو بشر يحمل في جوانحه عناصر الخير والشر، وإن التزكية والتطهير تابعة للإرادة، فالإنسان بطبعه مخير في اختيار موقفه في الحياة، وتلعب الوراثة - متفاعلة مع المحيط التربوي والاجتماعي - دورا أساسيا في تكوين الشخصية الإنسانية من حيث درجة الاقتراب والابتعاد عن المنهج الإسلامي في الواقع.
وإذا كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تأثير في التوجيه والتربية والإصلاح والتغيير، فإن كثيرا من الصحابة لم يصحبوه إلا قليلا بعد ما مرت عليهم السنين العديدة وهم في الصف المعادي له، وكان بعضهم أحرص الناس على قتله، والقضاء على رسالته، وبعضهم أسلم خوفا أو طمعا، وبعضهم بقي منافقا مستترا في نفاقه لا يعلمه إلا الله تعالى، أو معلوما عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خافيا على غيره.
فلا غرابة أن نجد بعضهم مبتعدا عن المنهج الإسلامي في تصوراته ومواقفه العملية لعدم انصهاره بالعقيدة والقيم الجديدة، وعدم تحكيمه لها في التصورات والعواطف والمواقف، وخصوصا في العلاقات الاجتماعية والسياسية بين الصحابة، فإن بعضهم قطع أواصر المودة والأخاء مع البعض الآخر، وتعامل البعض بالتنابز بالكفر والفسق والنفاق مع البعض الآخر، ووصلت الفواصل بينهما إلى حد البراءة والاقتتال.
وقد ظهرت بوادر ذلك في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أنها كانت في طور الخفاء والمحدودية ثم توسعت وطفحت بارزة للعيان بعد عهده (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا غرابة في ذلك وقد حذرهم (صلى الله عليه وآله وسلم) من التنافس على الدنيا والاقتتال فيما بينهم.