أن نقول: إن الحسين لم يفكر بالخروج إلى الكوفة إلا عندما جاءته الرسل من الكوفيين يدعونه بالخروج إليهم، وأنهم يدعونه مرحبين به طائعين، فأراد الحسين أن يتأكد من صحة هذه الأقوال، فأرسل مسلم بن عقيل بن أبي طالب - ابن عمه لينظر في أمر أهل الكوفة ويقف على الحقائق بنفسه. (تاريخ الطبري 5 / 354، والبلاذري في أنساب الأشراف 3 / 159. ذهب مسلم بن عقيل إلى الكوفة، ووقف على ما يحدث هناك وكتب إلى الحسين يدعوه إلى الخروج إلى الكوفة وأن الأمر مهيأ لقدومه.
وقد تتابعت النصائح من الصحابة والتابعين تنهى الحسين عن الخروج إلى الكوفة، ومن الذين نصحوا: محمد بن الحنفية أخوه، وابن عباس، وابن عمر وابن الزبير وأبو سعيد الخدري وجابر بن عبد الله، وغيرهم الكثير، ينهونه عن القدوم إلى الكوفة، غير أن هذه النصائح الغالية الثمينة لم تؤثر في موقف الحسين حيال خروجه إلى الكوفة، بل عقد العزم على الخروج، فأرسل إلى المدينة وقدم عليه من خف من بني عبد المطلب، وهم تسعة عشر رجلا ونساء وصبيانا من إخوته وبناته ونسائه، فتبعهم محمد بن الحنفية وأدرك الحسين قبل الخروج من مكة فحاول مرة أخرى أن يثني الحسين عن خروجه لكنه لم يستطع. (انظر: ابن سعد في الطبقات 5 / 266 - 267).
وجاء ابن عباس ونصحه فأبى إلا الخروج إلى الكوفة، فقال له ابن عباس: لولا أن يزري بي وبك، لنشبت يدي في رأسك، فقال أي الحسين: لئن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي من أستحل حرمتها، يعني الكعبة، فقال ابن عباس فيما بعد: وكان ذلك الذي سلى نفسي عنه. وكان ابن عباس من أشد الناس تعظيما للحرم. (انظر: مصنف ابن أبي شيبة 5 / 96 - 97 بإسناد صحيح،